للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا، فمن وحَّده من الخلق فلابدَّ أن يصفه بصفةٍ، وذلك يتضمَّن جحدَ حقِّه الذي هو عدُم انحصاره تحت الأوصاف. فمَن (١) وصَفَه فقد جحَد إطلاقَه عن قيود الصِّفات.

وقوله:

(توحيدُ من ينطق عن نعته ... عاريةٌ أبطلها الواحدُ)

يعني: توحيدُ النّاطقين عنه عاريَّةٌ مردودةٌ كما تُستردُّ العواري، إشارةً إلى أنّ توحيدهم ليس ملكًا لهم، بل الحقُّ أعارهم إيّاه، كما يُعير المعيرُ متاعَه لغيره ينتفع به، ويكون ملكًا للمُعير لا للمستعير.

وقوله: (أبطلها الواحدُ)، أي: الواحدُ المطلقُ من كلِّ الوجوه وحدتُه تُبطِل هذه العاريَّةَ وتردُّها إلى مالكها الحقِّ، فإنَّ الوحدة المطلقة من جميع الوجوه تُنافي ملكَ الغير لشيءٍ من الأشياء، بل المالكُ لتلك العاريَّة هو الواحد فقط، فلذلك أبطلت الوحدةُ هذه العارية.

وقوله: (توحيدُه إيّاه توحيدُه)، أي: توحيدُه الحقيقيُّ هو توحيدُه لنفسه بنفسه، من غير أثرٍ للسِّوى بوجهٍ، بل لا سوى هناك.

وقوله: (ونعت من ينعته لاحدُ)، أي: نعتُ النّاعت له إلحادٌ، وهو عدولٌ عمّا يستحقُّه من كمال التَّوحيد، فإنّه أسند إلى نزاهة الحقِّ ما لا يليق به إسنادُه، فإنَّ عينَ الأزليَّة تأبى نطقَ الحدَث، ومحضَ التّوحيد يأبى أن يكون للسِّوى أثرٌ البتّة.


(١) ت: «فمتى».

<<  <  ج: ص:  >  >>