للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيقال (١) ــ وبالله التّوفيق ــ: في هذا الكلام من الإجمال والحقِّ والإلحاد (٢) ما لا يخفى.

فأمّا قوله: «إنَّ الرَّبَّ تعالى هو الموحِّد لنفسه في قلوب صفوته، لا أنّهم هم الموحِّدون»، إن أريد به ظاهره، وأنَّ الموحِّدَ لله هو الله لا غيره، وأنَّ الله سبحانه حلَّ في صفوته، حتّى وحَّد نفسَه، فيكون هو الموحِّدَ لنفسه في قلوب أوليائه، لاتِّحاده بهم أو حلوله فيهم= فهذا قول النّصارى بعينه، بل هو شرٌّ منه؛ لأنّهم خصُّوه بالمسيح، وهؤلاء عمُّوا به كلَّ موحِّدٍ. بل عند الاتِّحاديّة: الموحِّدُ والموحَّدُ واحدٌ، وما ثمَّ تعدُّدٌ في الحقيقة.

وإن أريد به أنه هو الذي وفَّقهم لتوحيده، وألهمهم إيّاه، وجعلهم يوحِّدونه، فهو الموحِّدُ لنفسه بما عرَّفهم به من توحيده، وألقاه في قلوبهم وأجراه على ألسنتهم= فهذا المعنى صحيحٌ، ولكن لا يصحُّ نفيُ أفعالهم عنهم، فلا يقال: إنَّ الله هو الموحِّدُ لنفسه، لا أنَّ عبدَه يوحِّده. هذا باطلٌ شرعًا وعقلًا وحسًّا، بل الحقُّ أن يقال: إنَّ الله سبحانه وحَّد نفسَه بتوحيدٍ قام به، ووحَّده عبيدُه بتوحيدٍ قام بهم بإذنه ومشيئته وتوفيقه. فهو الموحِّدُ لنفسه بنفسه، وهم الموحِّدون له (٣) بتوفيقه ومعونته وإذنه.

فالّذي قام بهم ليس هو الرَّبَّ تعالى ولا وصفَه، بل العلمُ به ومحبّتُه ومعرفتُه وتوحيدُه، ويسمّى ذلك «الشّاهد» و «المثل الأعلى». فهي الشّواهد


(١) ت: «فنقول».
(٢) ت: «والإيجاز»، تصحيف.
(٣) «له» ساقط من ت.

<<  <  ج: ص:  >  >>