للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مرتبة الجماد والحيوان البهيم. وهم عندهم في حجابٍ كثيفٍ عن معرفة نفوسهم وكمالها، ومعرفة معبودهم وسرِّ عبوديَّته. وحال الطائفتين عجبٌ لمن اطَّلع عليه.

والقسم الرابع ــ وهو محال ــ: أن يريد الله ولا يريد منه، فهذا هو الذي يزعم هؤلاء أنَّه مطلوبهم، وأنَّ من لم يصل إليه ففي سيره علَّةٌ، وأنَّ العارف ينتهي إلى هذا المقام: أن يكون الله مرادَه ولا يريد منه شيئًا، كما يحكى عن أبي يزيد - رضي الله عنه - أنَّه قال: قيل لي: ما تريد؟ فقلت: أريد أن لا أريد (١).

وهذا في التحقيق عين المُحال الممتنع عقلًا وفطرةً وحسًّا وشرعًا، فإنَّ الإرادة من لوازم الحيِّ. وإنَّما يعرض له التجرُّد عنها بالغيبة عن حسِّه وعقله، كالسُّكر والإغماء والنَّوم. فنحن لا ننكر التجريد عن إرادة ما سواه من المخلوقات التي تزاحم إرادتُها إرادتَه. أفليس صاحب هذه الحال مريدًا لقربه ورضاه، ودوام مراقبته والحضور معه؟ وأيُّ إرادةٍ فوق هذه؟ نعم، قد زهد في مرادٍ لمرادٍ أجلَّ منه وأعلى، فما خرج عن الإرادة، وإنَّما انتقل من (٢) إرادةٍ إلى إرادةٍ، ومن مرادٍ إلى مرادٍ. وأمَّا خلوُّه عن صفة الإرادة بالكلِّيَّة مع حضور عقله وحسِّه فمحالٌ.

وإن حاكمَنا في ذلك محاكمٌ إلى ذوقِ مصطلمٍ، مأخوذٍ عن نفسه، فانٍ عن عوالمها= لم ننكر ذلك، لكنَّ هذه حالة عارضة غير دائمةٍ، ولا هي غاية مطلوبة للسالكين، ولا مقدورة للبشر، ولا مأمور بها، ولا هي أعلى


(١) تقدَّم عزوه (ص ١٠٧).
(٢) ش: «عن».

<<  <  ج: ص:  >  >>