للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخاف سقوطَه من عينه، وطردَ محبوبه له وإبعادَه، واحتجابَه عنه؛ فخوفُه أشدُّ خوفٍ.

ورجاؤه لمحبوبه ذاتيٌّ للمحبَّة، فإنَّه يرجوه قبل لقائه والوصولِ إليه، فإذا لقيه ووصل إليه اشتدَّ الرجاء له لِما يحصل به (١) حياةُ روحه ونعيمُ قلبه من ألطاف محبوبه، وبرِّه وإقبالِه عليه، ونظرِه إليه بعين الرِّضا، وتأهيلِه لمحبَّته، وغيرِ ذلك ممَّا لا حياة للمحبِّ ولا نعيمَ ولا فوزَ إلا بوصوله إليه من محبوبه؛ فرجاؤه أعظم رجاءٍ وأجلُّه وأتمُّه.

فتأمَّل هذا الموضع حقَّ التّأمُّل يُطلعْك على أسرارٍ عظيمةٍ من أسرار العبودية والمحبة، فكلُّ محبة فهي مصحوبةٌ بالخوف والرجاء، وعلى قدر تمكُّنها من قلب المحبِّ يشتدُّ خوفه ورجاؤه. لكنَّ خوف المحبِّ لا تصحبه وحشة بخلاف خوف المسيء، ورجاء المحبِّ لا تصحبه علَّةٌ بخلاف رجاء الأجير، فأين رجاء المحبِّ من رجاء الأجير؟ بينهما كما بين حالَيهما.

وبالجملة: فالرجاء ضروريٌّ للمريد والسالك والعارف، ولو فارقه لحظةً لتلف أو كاد، فإنَّه دائرٌ بين ذنبٍ يرجو غفرانه، وعيبٍ يرجو صلاحه (٢)، وعملٍ صالحٍ يرجو قبوله، واستقامةٍ يرجو حصولها أو دوامها، وقربٍ من الله ومنزلةٍ عنده يرجو وصوله إليها؛ ولا ينفكُّ أحدٌ من السالكين عن هذه الأمور أو عن بعضها، فكيف يكون الرجاء مِن أضعف منازله وهذا حاله؟


(١) في ش زيادة: «مِن».
(٢) ع: «إصلاحه».

<<  <  ج: ص:  >  >>