للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبادي، يتقرَّبون إليَّ بطاعتي ويرجون رحمتي ويخافون عذابي، فلماذا تدعونهم من دوني؟ فأثنى عليهم بأفضل أحوالهم ومقاماتهم من الحبِّ والخوف والرّجاء.

قوله: (لأنه معارضة من وجهٍ، واعتراض من وجهٍ)، يقال: بل هو عبوديّة وتعلُّقٌ بالله من حيث اسمُه المُحسن البَرُّ، فذلك التّعلُّق والتّعبُّد بهذا الاسم والمعرفةُ بالله هو الذي أوجب له الرجاءَ مِن حيث يدري ومن حيث لا يدري، فقوّة الرجاء على حسب قوَّة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته وغلبةِ رحمته غضبَه.

ولولا رَوح الرجاء لعطِّلت عبوديّةُ القلب والجوارح، وهدِّمت صوامعُ وبِيَعٌ وصلواتٌ ومساجدُ يذكر فيها اسم الله كثيرًا. بل لولا رَوح الرجاء لما تحرَّكت الجوارح بالطاعة. ولولا ريحه الطّيِّبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات. ولي من أبياتٍ:

لولا التعلُّل (١) بالرجاء تقطَّعت ... نفسُ المحبِّ تحسُّرًا وتمزُّقا

وكذاك لولا برده لحرارة الْـ ... أكباد ذابت بالحجاب تحرُّقا

أيكون قطُّ حليفُ حبٍّ لا يُرى ... برجائه لحبيبه متعلِّقا؟!

أم كلَّما قويت محبَّته له ... قوي الرّجاء فزاد فيه تشوُّقا

لولا الرجا يحدو المطيَّ لما سرت ... بحمولها لديارهم ترجو اللِّقا

وعلى حسب المحبَّة وقوَّتها يكون الرجاء. وكلُّ محبٍّ راجٍ خائفٌ بالضّرورة، فهو أرجى ما يكون لحبيبه أحبَّ ما كان إليه. وكذلك خوفه، فإنّه


(١) ع: «التعلُّق».

<<  <  ج: ص:  >  >>