للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجمعيَّة، فإنّهم تشتدُّ نفرتُهم منهم، ويعيبون عليهم، ويُزْرُون بهم.

وقد يسمُّون مَن رأوه كثيرَ الصّلاة "ثقاقيلَ الحُصُر" (١)، ومن رأوه كثيرَ الطَّواف "حُمُرَ المَدار" (٢)، ونحو هذا.

وقد أخبرني من رأى ابن سبعين قاعدًا في طرف (٣) المسجد الحرام، وهو يسخَر من الطائفين ويذمُّهم، ويقول: كأنّهم الحُمُر حول المَدار، أو نحو هذا، وكان يقول: إقبالُهم على الجمعيّة أفضَلُ لهم.

ولا ريبَ أنَّ هؤلاء مُؤْثِرون لحظوظهم على حقوق ربِّهم، واقفون مع أذواقهم ومواجيدهم، فانين بها عن حقِّ الله ومراده.

وسمعتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيميّة قدَّس الله روحَه يحكي عن بعض العارفين أنّه قال: العامَّةُ تعبُد الله، وهؤلاء يعبدون نفوسَهم (٤).

وصدق - رحمه الله -، فإنَّ هؤلاء المستكثرينَ من الطَّاعة الذّائقينَ لرَوْح العبادة الرَّاجينَ ثوابَها قد رُفِعَ لهم علَمُ الثّواب، وأنّه مسبَّبٌ عن الأعمال، فشمَّروا إليه راجين أن تُقبَل منهم أعمالُهم ــ على عيبها ونقصها ــ بفضل الله، خائفين أن تُردَّ عليهم، إذ لا تصلُح لله ولا تليقُ به، فيردَّها بعدله وحقِّه. فهم


(١) الحُصُر جمع الحصير. والثقاقيل جمع ثقَّالة، وهي حجرٌ أو رخام أو غيره يثقَّل به البساطُ ونحوه لكيلا يطير إذا هبَّت الريح. وقد ذكر جلال الدين الشَّيزَري في "نهاية الرتبة الظريفة" (ص ٣٠) ثقاقيل الرَّصاص.
(٢) ش: "حمار المدار"، وكذا غيِّر في م، وهو حمار الطاحونة.
(٣) ع: "طرق".
(٤) سينقله المصنف عن شيخ الإسلام مرة أخرى في منزلة الشكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>