للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستكثرون بجُهدهم من طاعاته بين خوفه ورجائه، والإزراءِ على أنفسهم، والحرصِ على استعمال جوارحهم في كلِّ وجهٍ من وجوه الطَّاعات، رجاءَ مغفرته ورحمته، وطمعًا في النّجاة؛ فهم يقاتلون بكلِّ سلاحٍ لعلّهم ينجُون.

قالوا: وأمّا ما أنتم فيه من الفَناءِ ومشاهدةِ الحقيقة والقيُّوميّة والاستغراقِ في ذلك، فنحن في شُغلٍ عنه بتنفيذِ أوامرِ صاحبِ الحقيقة والقيُّوميّة، والاستكثارِ من طاعاته، وتصريفِ الجوارح في مرضاته؛ كما أنّكم بفنائكم واستغراقِكم في شهود الحقيقة وحضرة الرُّبوبيّة في شغلٍ عمَّا نحن فيه. فكيف كنتم أولى بالله منَّا، ونحنُ في حقوقه ومراده منَّا، وأنتم في حظوظكم ومرادكم منه؟

قالوا: وقد ضُرب لنا ولكم مثلٌ مطابقٌ لمن تأمَّله بملِكٍ ادّعى محبّتَه مملوكان من مماليكه، فاستحضرهما وسألهما عن ذلك؟ فقالا: أنت أحبُّ شيءٍ إلينا، ولا نؤثر عليك غيرَك، فقال: إن كنتما صادقَين فاذهبا إلى سائر مماليكي وعرِّفاهم بحقوقي عليهم، وأخبِراهم بما يُرضيني عليهم، ويُسْخِطني. وابذلوا (١) قواكم في تخليصهم من مساخطي، ونفِّذوا فيهم أوامري، واصبروا على أذاهم، وعودوا مريضهم، وجَهِّزوا (٢) ميِّتهم، وأعينُوا ضعيفهم بقواكم وأموالكم وجاهكم، ثمَّ اذهبوا إلى بلاد أعدائي (٣)


(١) كذا في جميع النسخ ما عدا ع بصيغة الجمع بدلًا من التثنية من هنا إلى آخر الفقرة. وفي ع بصيغة التثنية إلَّا "وخالطوهم وادعوهم ... ولا تخافوهم" فهذه الأفعال الثلاثة بصيغة الجمع!
(٢) ع: "وشيِّعا".
(٣) ما عدا ع: "بلادي"، وقد صحح في هامش م أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>