للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهذه الملطِّفات (١) وخالطوهم، وادعوهم إلى موالاتي، واشتغلوا بهم، ولا تخافوهم، فعندهم من جندي وأوليائي من يكفيكم شرَّهم.

فأمّا أحدُ المملوكين، فقام وبادر (٢) إلى امتثال أمره، وبعُدَ عن حضرته في طلب مرضاته.

وأمّا الآخر، فقال له: لقد غلب على قلبي من محبَّتك والاستغراق في مشاهدة حضرتك وجمالك ما لا أقدر معه على مفارقة حضرتك ومشاهدتك. فقال: إنَّ رضائي في أن تذهبَ مع صاحبك، فتفعلَ كما فعل، وإن بعدتَ عن مشاهدتي. فقال: لا أُوثِرُ على مشاهدتك والاستغراق فيك شيئًا!

فأيُّ المملوكَين أحبُّ إلى هذا المَلِك، وأحظى عنده، وأخَصُّ به، وأقرب إليه؟ أهذا الذي آثر حظَّه ومرادَه وما فيه لذَّتُه على مراد الملك وأمره ورضاه؟ أم ذلك الذي ذهب في تنفيذ أوامره، وفرَّغ لها قواه وجوارحَه، وتفرَّق فيها في كلِّ وجهٍ؟ فما أولاه أن يجمعَه أستاذُه عليه بعد قضاء أوامره وفراغه منها، ويجعلَه من خاصَّته وأهلِ قربه! وما أولى صاحبَه بأن يُبعِدَه عن قربه، ويحجُبَه عن مشاهدته، ويفرِّقه عن جمعيَّته، ويبدِّله بالتَّفرقة التي هرب منها ــ في تفرقة أمره ــ تفرقةً في هواه ومراده بطبعه ونفسه.

فليتأمَّلِ اللَّبيبُ هذا حقَّ التّأمُّل، وليفتَحْ عينَ بصيرته، ويسيرَ بقلبه، فينظر في مقامات العبيد وأحوالهم وهممهم، ومن هو الأولى بالعبوديّة، ومن هو البعيد منها.


(١) ج، م، ش: "المطالعات".
(٢) ع: "مبادرًا".

<<  <  ج: ص:  >  >>