للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللِّسان عن الشكوى. وهو من أصعب المنازل على العامَّة، وأوحشها في طريق المحبَّة، وأنكرها في طريق التوحيد).

إنَّما كان صعبًا على العامَّة لأنَّ العامِّي مبتدئٌ في الطريق، وما له دربة بالسلوك (١)، ولا تهذيب المرتاض بقطع المنازل، فإذا أصابته المحن أدركه الجزع، وصعب عليه احتمال البلاء، وعزَّ عليه وجدان الصبر، لأنَّه ليس من أهل الرِّياضة فيكون مستوطنًا للصَّبر، ولا من أهل المحبَّة فيلتذَّ بالبلاء في رضا محبوبه.

وأمَّا وحشته (٢) في طريق المحبَّة، فلأنَّها تقتضي التذاذ المحبِّ بامتحان محبوبه له، والصبر يقتضي كراهته لذلك وحَبْسَ نفسه عليه كرهًا، فهو وحشةٌ في طريق المحبَّة.

وفي الوحشة نكتة لطيفة؛ لأنَّ الالتذاذ بالمحنة في المحبَّة هو من موجبات أنس القلب بالمحبوب، فإذا أحسَّ بالألم بحيث يحتاج إلى الصبر انتقل من الأنس إلى الوحشة، ولولا الوحشة لما أحسَّ بالألم المستدعي للصبر.

وإنَّما كان (أنكرها في طريق التوحيد) لأنَّ فيه قوَّة الدعوى، لأنَّ الصابر يدَّعي بحاله قوَّةَ الثبات، وذلك ادِّعاءٌ منه لنفسه قوَّةً عظيمةً، وهذا مصادمةٌ لتجريد التوحيد، إذ ليس لأحدٍ قوّةٌ البتَّة، بل لله القوَّة جميعًا، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.


(١) ع: «في السلوك».
(٢) ع: «كونه وحشةً».

<<  <  ج: ص:  >  >>