للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصّحيح ماحٍ لها بالذّات، لكنّ أوّله قد لا يستغني عن الكسب، ونهايته لا تقف على كسبٍ.

قال (١): (واعلم أنّ مَن أحوجَ عدوَّه (٢) إلى شفاعةٍ، ولم يخجلْ من المعذرة إليه: لم يَشُمَّ رائحةَ الفتوّة).

يعني: أنّ العدوّ متّى علم أنّك متألِّمٌ من جهة ما نالك من الأذى منه احتاج إلى أن يعتذر إليك، ويشفع إليك شافعٌ يُزيل ما في قلبك منه. فالفتوّة كلُّ الفتوّة: أن لا تُحوِجه إلى الشّفاعة، بأن لا يظهر له منك عَتْبٌ ولا تغيُّرٌ عمّا كان له منك قبل معاداته، ولا تَطوِي عنه بِشْرَك ولا بِرَّك، وإذا لم تخجلْ أنت من قيامه بين يديك مقامَ المعتذر لم يكن لك في الفتوّة نصيبٌ.

ولا تستعظمْ هذا الخُلق، فإنّ في الفتيان ما هو أكبر (٣) منه. ولا تستصعِبْه، فإنّه موجودٌ في كثيرٍ من الشُّطّار والعُشَراء الذين ليس لهم في حال المعرفة ولا في لسانها نصيبٌ، فأنت أيُّها العارف أولى به.

قال (٤): (وفي علم الخصوص: من طلبَ نور الحقيقة على قَدَمِ الاستدلال لم يَحِلَّ له دعوى الفتوّة أبدًا).

كأنّه يقول: إذا لم تُحوِج عدوّك إلى العذر والشّفاعة، ولم تُكلِّفْه طلبَ الاستدلال على صحّة عذره، فكيف تُحوِج وليَّك وحبيبَك إلى أن يُقِيم لك


(١) «المنازل» (ص ٤٨).
(٢) ش، د: «عدوك».
(٣) ش، د: «أكثر».
(٤) «المنازل» (ص ٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>