قوله:(وهو عين الاستسلام)، أي التفويض عين الانقياد بالكليَّة إلى الحقِّ سبحانه، ولا يبالي أكان ما يقضي له الخير أم خلافه؟ والمتوكِّل يتوكَّل على الله في مصالحه (١).
وهذا القدر هو الذي لحظه القوم في هضم مقام التوكُّل ورفع مقام التفويض عليه، وجوابه من وجهين.
أحدهما: أنّ المفوِّض لا يفوِّض أمره إلى الله إلَّا لإرادته أن يقضي له ما هو خيرٌ له في معاشه ومعاده. وإن كان المقضيُّ له خلاف ما يظنُّه خيرًا فهو راضٍ به، لأنَّه يعلم أنَّه خير له وإن خفيت عليه جهة المصلحة فيه. وهكذا حال المتوكِّل سواء، بل أرفع من المفوِّض، لأنَّ معه من عمل القلب ما ليس مع المفوِّض، فالمتوكِّل مفوِّض وزيادة، فلا يستقيم مقام التوكُّل إلَّا بالتفويض، فإنَّه إذا فوَّض أمره إليه اعتمد بقلبه كلِّه عليه بعد تفويضه.
ونظير هذا: أنَّ من فوَّض أمره إلى رجلٍ وجعله إليه، فإنَّه يجد مِن نفسه بعد تفويضه اعتمادًا خاصًّا وسكونًا وطمأنينةً إلى المفوِّض إليه أكثر ممَّا كان قبل التفويض، وهذا هو حقيقة التّوكُّل.
الوجه الثاني: أنَّ أهمَّ مصالح المتوكِّل حصولُ مراضي محبوبه ومحابِّه، فهو يتوكَّل عليه في تحصيلها له، فأيُّ مصلحةٍ أعظم من هذا؟
وأمَّا التفويض فهو تفويض حاجات العبد المعيشيَّة وأسبابها إلى الله، فإنَّه لا يفوِّض إليه محابَّه، والمتوكِّل يتوكَّل عليه في محابِّه.