للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا} [المزمل: ٩]. وهذا يُبطل قول من قال من جهلة القوم (١): إنَّ توكيل الربِّ فيه جسارةٌ على الباري، لأنَّ التوكيل يقتضي إقامة الوكيل مقام الموكِّل، وذلك عين الجسارة. قال: ولولا أنّ الله أباح ذلك وندب إليه لما جاز للعبد تعاطيه.

وهذا من أعظم الجهل، فإنَّ اتِّخاذه وكيلًا هو محض العبوديَّة وخالص التوحيد إذا قام به صاحبه حقيقةً.

ولله درُّ سيِّد القوم وشيخ الطائفة سهل بن عبد الله إذ يقول: العلم كلُّه بابٌ من التعبُّد، والتعبُّد كلُّه باب من الورع، والورعُ كلُّه باب من الزهد، والزهد كلُّه باب من التوكُّل (٢).

فالذي نذهب إليه: أنَّ التوكُّل أوسع من التفويض وأعلى وأرفع.

قوله: (فإنَّ التوكُّل بعد وقوع السبب، والتفويض قبل وقوعه وبعده).

يعني بالسبب: الاكتساب، فالمفوِّض قد فوَّض أمره إلى الله قبل اكتسابه وبعد اكتسابه (٣)، والمتوكِّل قد قام بالسبب وتوكَّل فيه على الله، فصار التفويض أوسع.

فيقال: والتوكُّل قد يكون قبل السبب ومعه وبعده، فيتوكَّل على الله أن يقيمه في سببٍ يوصله إلى مطلوبه، فإذا قام به توكَّلَ على الله حال مباشرته، فإذا أتمَّه توكَّل على الله في حصول ثمرته؛ فيتوكَّل على الله قبله ومعه وبعده.


(١) يعني به التلمساني في «شرحه» (ص ٢٠٣).
(٢) ذكره أبو طالب في «قوت القلوب» (٢/ ٣).
(٣) ع: «وبعده».

<<  <  ج: ص:  >  >>