للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عينٍ، ووجود مقامٍ، كما سيأتي شرحه في موضعه إن شاء الله.

وهذه اللّوائح التي أشار إليها تلوح في المراتب الثّلاثة، وقد ذكروا عن الجنيد أنّه قال: علم التّوحيد مباينٌ لوجوده، ووجوده مباينٌ لعلمه (١).

ومعنى ذلك: أنّ العبد قد يصحُّ له العلم بانفراد الحقِّ في ذاته وصفاته وأفعاله علمًا جازمًا، لا يشكُّ فيه ولا يرتاب، ولكن إذا اختلفت عليه الأسباب، وتقاذفتْ به أمواجُها، لم يثبت قلبه في أوائل الصَّدَمات، ولم يبادر إذ ذاك إلى رؤية الأسباب كلِّها من الأوّل الذي دلّت على وحدانيّته وأوّليّته البراهينُ القطعيّة والمشاهدة الإيمانيّة، فهذا عالمٌ بالتّوحيد غير واجدٍ مقامه، ولا متَّصف بحالٍ أكسَبَه إيَّاها التوحيدُ، فإذا وجد قلبه وقتَ اختلافِ الأحوال (٢) وتباينِ الأسباب واثقًا بربِّه، مقبلًا عليه، مستغرقًا في شهود وحدانيّته في ربوبيّته وإلهيّته، وأنّه وحده منفردٌ بتدبير عباده= فقد وجد مقام التّوحيد وحاله.

وأهل هذا المقام متفاوتون في شهوده تفاوتًا عظيمًا: من مُدركٍ لما هو فيه متنعِّمٍ متلذِّذٍ به في وقتٍ دون وقتٍ، ومن غالبٍ عليه هذه (٣) الحال، ومن مستغرقٍ غائبٍ عن حظِّه ولذّته بما هو فيه من وجوده، فنور الوجود قد غشي مشاهدته بحاله، ولمَّا يصلْ إلى مقام الجمع، بل قد أناخَ بفِنائه، والوجود عنده هو حضرة الجمع، وتُسمّى حضرة الوجود.


(١) «الرسالة القشيرية» (ص ٢٤٧، ٦٢٢).
(٢) د: «الاختلاف للأحوال».
(٣) ر: «هذا».

<<  <  ج: ص:  >  >>