للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ما هو به كما حدّها الشّيخ. ولا ريبَ أنّها بهذا الاعتبار فوق العلم، لكن على هذا الحدِّ لا يُتصوَّر أن يَعرِف الله أحدٌ من خلقه البتّةَ. وسيأتي الكلام على هذا الحدِّ في موضعه (١)، وليست المعرفة عند القوم مشروطةً بما ذُكِر، وسنذكر كلامهم إن شاء الله.

وقد ذكر بعضهم (٢): أنّ أعمال الأبرار بالعلم، وأعمال المقرّبين بالمعرفة.

وهذا كلامٌ يصحُّ من وجهٍ، ويبطُل من وجهٍ، فالأبرار والمقرّبون عاملون بالعلم، واقفون مع أحكامه، وإن كانت معرفة المقرّبين أكملَ من معرفة الأبرار، فكلاهما أهل علمٍ ومعرفةٍ، فلا يُسلَب عن الأبرار المعرفة، ولا يستغني المقرّبون عن العلم، وقد قال النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبلٍ: «إنّك تأتي قومًا أهلَ كتابٍ، فليكنْ أوّل ما تدعوهم إليه: شهادة أن لا إله إلّا الله، فإذا هم عرفوا الله فأخبِرْهم أنّ الله قد فرضَ عليهم خمسَ صلواتٍ في اليوم واللّيلة» (٣). فجعلهم عارفين بالله قبل إتيانهم بفرض الصّلاة والزّكاة، بل في أوّل أوقات دخولهم في الإسلام، ولا ريبَ أنّ هذه المعرفة ليست كمعرفة المهاجرين والأنصار، فالنّاس متفاوتون في درجات المعرفة.

قوله: (في لوائح نور الوجود)، يعني: أنّ مشاهدة المعرفة بوارقُ تلوح من نور الوجود، والوجود عند الشّيخ ثلاث مراتب: وجود علمٍ، ووجود


(١) (ص ٢٧٩).
(٢) انظر: «شرح التلمساني» (ص ٥١٤).
(٣) أخرجه البخاري (١٤٥٨)، ومسلم (١٩) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.

<<  <  ج: ص:  >  >>