للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدّرجة الأولى تتضمّن تعظيمَ الحكم الدِّينيِّ الشّرعيِّ، وهذه الدّرجة تتضمّن تعظيم الحكم الكونيِّ القدريِّ، وهو الذي يخصُّه المصنِّف باسم الحكم. وكما يجب على العبد يَرعى (١) حكمَ الله الدِّينيّ بالتّعظيم، فكذلك يرعى حكمه الكونيّ به، فذكرَ من تعظيمه ثلاثة أشياء:

أحدها: أن لا يُبغى له عِوَجٌ، أي يُطلَب له عوجٌ، أو يُرى فيه عوجٌ. بل يُرْى كلُّه مستقيمًا، لأنّه صادرٌ عن عين الحكمة، فلا عِوَجَ فيه. وهذا موضعٌ أشكلَ على النّاس جدًّا.

فقالت نفاة القدر: ما في خلْقِ الرّحمن من تفاوتٍ ولا عِوَجٍ، والكفرُ والمعاصي مشتملةٌ على أعظم التّفاوت والعوج، فليست بخلْقه ولا مشيئتِه ولا قدره.

وقالت فرقةٌ تقابلهم: بل هي من خلْق الرّحمن وقدره، فلا عِوَج فيها. وكلُّ ما في الوجود مستقيمٌ.

والطّائفتان ضالّتان، منحرفتان عن الهدى. وهذه الثّانية أشدُّ انحرافًا، لأنّها جعلت الكفر والمعاصي مستقيمًا لا عِوجَ فيه. وعدمُ تفريق الطّائفتين بين القضاء والمقضيِّ، والحكم والمحكوم به: هو الذي أوقعَهم فيما أوقعهم فيه.

وقول سلف الأمّة وجمهورها: إنّ القضاء غير المقضيِّ، فالقضاء فِعلُه ومشيئته وما قام به، والمقضيُّ مفعوله المباين له المنفصل عنه، وهو


(١) كذا في النسخ بدون «أن». وهي في هامش د.

<<  <  ج: ص:  >  >>