للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منك» (١). فرِضاه ــ وإن أعاذ من سَخَطه ــ فإنّه لا يُبطِله ويدفعه، وإنّما يدفع تعلُّقَه بالمستعيذ، وتعلُّقُه بأعدائه باقٍ غير زائلٍ. فهكذا أمره وقدره سواءٌ، فإنّ أمره لا يُبطِل قدرَه، ولا قدرُه يُبطِل أمرَه. ولكن يُدفَع ما قضاه وقدَّره بما أَمر به وأحبّه، وهو أيضًا من قضائه. فما دُفِع قضاؤه إلّا بقضائه وأمرِه. فلم يَدفع العلمُ الحكمَ بل المحكومَ به، والعلمُ والحكمُ دفعا المحكومَ به الذي قُدِّر دفعُه وأُمِر به.

فتأمّلْ هذا، فإنّه محض العبوديّة والمعرفة، والإيمان بالقدر، والاستسلام له، والقيام بالأمر، والتّنفيذ له بالقدر، فما نفَّذَ المطيعُ أمرَ الله إلّا بقدر الله، ولا دفعَ مقدورَ الله إلا بقدر الله وأمره.

وأمّا قوله: (ولا يرضى بعوضٍ)، أي أنّ صاحب مشهد الحكم قد وصل إلى حدٍّ لا يَتطلَّب معه عوضًا، ولا يكون ممّن يعبد الله بالعوض، فإنّه يشاهد جريانَ حكمِ الله عليه، وعدمَ تصرُّفه في نفسه، وأنّ المتصرِّف فيه حقًّا مالكُه الحقُّ، فهو الذي يُقيمه ويُقعِده، ويُقلِّبه ذات اليمين وذات الشِّمال. وإنّما يطلب العوضَ من غاب عن الحكم وذَهل عنه، وذلك منافٍ لتعظيمه. فمن تعظيمه: أن لا يرضى العبد بعوضٍ يطلبه بعمله (٢)، لأنّ مشاهدة الحكم وتعظيمه يمنعه أن يرى لنفسه ما يعاوض عليه.

فهذا الذي يمكن حملُ كلامه عليه من غير خروجٍ عن حقيقة الأمر. والله أعلم.


(١) «منك» ليست في ش. وهذا الدعاء رواه مسلم (٤٨٦) من حديث عائشة - رضي الله عنها -. وفيه «بمعافاتك» بدل «بعفوك». وقد تقدم.
(٢) ل: «بعلمه».

<<  <  ج: ص:  >  >>