ومَن هذه حالُه قد ظفِرَ بالاستقامة؛ لأنّ العلوم إذا أثمرت الأحوالَ كانت عنها الاستقامةُ في الأعمال ووقوعُها على وجه الصّواب، وتحقَّقَ صاحبُها في الإشارة إلى ما وجده من الأحوال، ولم تكن إشارته عن تخمينٍ وظنٍّ وحسبانٍ. واستحقَّ اسمَ النِّسبة في صحّة العبوديّة إلى الرّحمن عزّ وجلّ؛ كقوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ}[الحجر: ٤٢]، وقوله:{الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا}[الفرقان: ٦٣]، وقوله:{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ}[الإنسان: ٦]، وقوله:{يَاعِبَادِى لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ}[الزخرف: ٦٨].
والمقصود: أنّ هذا قد انتقل من أحكام العمل بالعلم وحده إلى أحكام العمل بالحال المصاحب للعلم، فهو عاملٌ بالمواجيد الحاليّة المصحوبة بالعلوم النّبويّة، فإنّ انفراد العلم عن الحال تعطيلٌ وبطالةٌ، وانفراد الحال عن العلم كفرٌ وإلحادٌ، والأكملُ: أن لا يغيب عن شهود العلم بالحال، وإن استغرقَه الحال عن شهود العلم مع قيامه بأحكامه لم يضرَّه.
قوله:(وهذا رجلٌ قد ظفِرَ بالاستقامة)، أي: هو على مَحجَّة الطّريق القاصد إلى الله، المُوصِل إليه، و «الظّفر» هو حصول الإنسان على مطلوبه.
قوله:(وتحقَّقَ في الإشارة)، أي: إشارته إشارة تحقيقٍ، ليست كإشارة صاحب البرق الذي يلوح ثمّ يذهب.
قوله:(فاستحقَّ صحّةَ النِّسبة)، لأنّه لمّا استقام، وصحَّ حاله بعمله، وأثمر علمُه حالَه= صحّت نسبة العبوديّة له؛ فإنّه لا نسبة بين العبد والرّبِّ إلّا نسبة العبوديّة.