للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والإنابة الثانية: إنابةُ أوليائه، وهي إنابةٌ لإلهيَّته إنابةَ عبوديّةٍ ومحبّةٍ. وهي تتضمّن أربعة أمورٍ: محبّته، والخضوع له، والإقبال عليه، والإعراض عمَّا سواه، فلا يستحقُّ اسم المنيب إلَّا من اجتمعت فيه هذه الأربعة، وتفسير السّلف لهذه اللفظة يدور على ذلك.

وفي اللَّفظة معنى الإسراع والرُّجوع والتّقدُّم، فالمنيب إلى الله المسرع إلى مرضاته، الراجع إليه كلَّ وقتٍ، المتقدِّم إلى محابِّه.

قال صاحب «المنازل» (١): (الإنابة في اللُّغة الرُّجوع، وهي هاهنا الرُّجوع إلى الحقِّ. وهي ثلاثة أشياء: الرُّجوع إلى الحقِّ إصلاحًا، كما رجع إليه اعتذارًا؛ والرُّجوع إليه وفاءً، كما رجع إليه عهدًا؛ والرُّجوع إليه حالًا، كما رجع إليه إجابةً).

لمَّا كان التائب قد رجع إلى الله بالاعتذار والإقلاع عن معصيته، كان من تتمَّة ذلك رجوعُه إليه بالاجتهاد والنُّصح في طاعاته (٢)، كما قال تعالى: {إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: ٧٠]، وقال: {(١٥٩) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [البقرة: ١٦٠]؛ فلا تنفع توبةٌ وبطالةٌ، فلا بدَّ من توبةٍ وعملٍ صالحٍ: تركٌ (٣) لما يَكره وفعلٌ لما يحبُّ، تخلٍّ عن معصيته وتحلٍّ بطاعته.


(١) (ص ١٢) دون الجملة الأولى في تعريف الإنابة لغةً وشرعًا، فإنها من كلام التلمساني في «شرحه» (ص ٧٧)، والمؤلف صادر عنه، فلعله التبس عليه كلامُ الشارح بكلام الماتن.
(٢) م، ج، ن، ع: «طاعته».
(٣) كذا مضبوطًا بالرفع في الأصل ول. ويصح الجرُّ على البدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>