للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأفعاله، وفي إرادته وحده ومحبّته وخوفه ورجائه، والتّوكُّل عليه، والاستعانة به، والحلف به، والنّذر له، والتّوبة إليه، والسُّجود له، والتّعظيم والإجلال وتوابع ذلك.

ولذلك (١) كانت عبارة الجنيد عن التَّوحيد عبارةً سادّةً مسدَّدةً. فشيخُ الإسلام إن أراد ما أراده أبو القاسم، فلا إشكال. وإن أراد ينزِّهُ الله سبحانه عن قيام الأفعال الاختياريّة به ــ التي يسمِّيها نفاة أفعاله: حلولَ الحوادث، ويجعلون تنزيهَ الرّبِّ تعالى عنها من كمال التّوحيد، بل هو أجلُّ التَّوحيد عندهم ــ فكأنّه قال: التَّوحيدُ تنزيه الرَّبِّ عن حلول الحوادث به. وحقيقة ذلك: أنّ التَّوحيدَ تعطيلُه عن أفعاله، ونفيُها بالكلِّيّة، وأنّه لا يفعل شيئًا البتّة! فإنَّ إثباتَ فاعلٍ من غير فعلٍ يقوم به البتّةَ محالٌ في العقول والفِطَر ولغات الأمم، ولا يثبُت كونُه سبحانه ربًّا للعالم مع نفي ذلك أبدًا، فإنَّ قيامَ الأفعال به هو معنى الرُّبوبيّة وحقيقتها، ونافي هذه المسألة نافٍ لأصل الرُّبوبيّة، جاحدٌ لها رأسًا.

وإن أراد تنزيهَ الرَّبِّ عن سِمات المحدَثين وخصائص المخلوقين، فهو حقٌّ، ولكنَّه تقصيرٌ في التَّعبير عن التَّوحيد، فإنَّ إثباتَ صفات الكمال أصلُ التّوحيد، ومن تمام هذا الإثبات: تنزيهُه سبحانه عن سمات المحدَثين وخصائص المخلوقين. وقد استدرك عليه الاتِّحاديُّ في هذا الحدِّ (٢)، وقال (٣): «شهودُ التّوحيد يرفع الحدوثَ أصلًا ورأسًا»، فلا يكون هناك وجودان: قديمٌ ومحدثٌ؛ فالتَّوحيد: هو أن لا يرى مع الوجود المطلق سواه.


(١) ش، د: «فلذلك».
(٢) انتهى هنا السقط في مصورة ت.
(٣) «شرح التلمساني» (٢/ ٦٠١).

<<  <  ج: ص:  >  >>