للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوجه الثّالث: أنَّ عبوديّةَ التَّوبة فيها من الذُّلِّ والانكسار والخضوع، والتّملُّقِ لله، والتّذلُّلِ له= ما هو أحبُّ إليه من كثيرٍ من الأعمال الظَّاهرة. فإن (١) زادت في القدر والكمِّيَّة على عبوديَّة التَّوبة، فإنَّ الذُّلَّ والانكسارَ روحُ العبوديّة ومخُّها ولبُّها. يوضِّحه:

الوجه الرّابع: أنَّ حصولَ مراتب الذُّلِّ والانكسار للتّائب أكملُ منها لغيره، فإنّه قد شارك مَن لم يُذنب في ذلِّ الفقر، والعبوديّة، والمحبّة؛ وامتاز عنه بانكسار المعصية (٢)، والله سبحانه أقربُ ما يكون إلى عبده عند ذلِّه وانكسار قلبه، كما في الأثر الإسرائيليِّ: "يا ربِّ أين أجدك؟ قال: عند المنكسِرة قلوبُهم من أجلي" (٣). ولأجل هذا "أقربُ ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجدٌ" (٤)، لأنّه مقامُ ذلٍّ وانكسارٍ بين يدي ربِّه عزَّ وجلَّ.

وتأمَّلْ قولَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فيما يروي عن ربِّه تبارك وتعالى أنّه يقول يوم القيامة: "ابنَ آدم، استطعمتُك فلم تُطعِمْني. قال: يا ربِّ، كيف أُطْعِمُك وأنت ربُّ العالمين؟ قال: استطعمك عبدي فلم تُطْعِمْه، أمَا لو أطعمتَه لوجدتَ ذلك عندي. ابنَ آدم، استسقيتُك فلم تَسْقِني. قال: يا ربِّ، كيف أسقيك، وأنت ربُّ العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلانٌ فلم تَسْقِه، أمَا لو سقيتَه لوجدتَ ذلك عندي. ابنَ آدم، مرضتُ فلم تَعُدْني. قال: يا ربِّ، كيف أعودك،


(١) ج، ش، ع: "وإن".
(٢) ع: "بانكسار قلبه بالمعصية".
(٣) أخرجه عبد الله في زوائد "الزهد" (ص ٦٤) عن عمران بن مسلم القصير قال: قال موسى: يا ربِّ أين أبغيك؟ قال: ابغِني عند المنكسرة قلوبهم.
(٤) قطعة من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، أخرجه مسلم (٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>