للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت ربُّ العالمين؟ قال: أمَا إنَّ عبدي فلانًا مرِضَ فلم تعُدْه، أمَا لو عُدْتَه لوجدتَني عنده" (١). فقال في عيادة المريض: "لوجدتَني عنده وقال في الإطعام والإسقاء: "لوجدتَ ذلك عندي"، ففرَّق بينهما، فإنَّ المريضَ مكسورُ القلب ولو كان من كان، فلا بدَّ أن يكسره المرضُ، فإذا كان مؤمنًا قد انكسر قلبُه بالمرض كان الله عنده (٢).

وهذا ــ والله أعلم ــ هو السِّرُّ في استجابة دعوة الثّلاثة: المظلوم، والمسافر، والصّائم للكَسْرة التي في قلبِ كلِّ واحدٍ منهم، فإنَّ غربة المسافر وكسْرتَه ممّا يجده العبدُ في نفسه، وكذلك الصَّومُ فإنَّه يكسِر سورةَ النَّفس السَّبُعيّةِ الحيوانيّةِ ويُذلُّها.

والقصدُ: أنّ شمعةَ الخير والفضل والعطايا إنَّما تنزل في شَمْعَدَانِ (٣) الانكسار، وللعاصي التّائبِ من ذلك نصيبٌ وافرٌ (٤). يوضِّحه:

الوجه الخامس: أنَّ الذَّنبَ قد يكون أنفعَ للعبد ــ إذا اقترنت به التَّوبةُ ــ من كثيرٍ من الطَّاعات. وهذا معنى قول بعض السَّلف: قد يعمل العبدُ الذَّنبَ (٥) فيدخل به الجنَّةَ، ويعملُ الطَّاعةَ فيدخلُ بها النَّارَ. قالوا: وكيف ذلك؟ قال: يعمل الذَّنبَ فلا يزال نُصْبَ عينيه، إن قام وإن قعد وإن


(١) أخرجه مسلم (٢٥٦٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) وانظر: "شفاء العليل" (ص ٢٥٥) وما سيأتي في باب التلبيس.
(٣) الشَّمْعَدَان: مِسْرجة تركز عليها الشُّموع. وقد تحرَّف في ش إلى "ميدان"، و"شمعة" إلى "سعة".
(٤) ع: "أوفر نصيب".
(٥) ع: "إن العبد ليعمل الذنب".

<<  <  ج: ص:  >  >>