للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشى، كلما ذكَره أحدَثَ له توبةً (١) واستغفارًا وندمًا، فيكونُ ذلك سببَ نجاته. ويعملُ الحسنةَ، فلا تزال نُصْبَ عينيه، إن قام وإن قعد وإن مشى، كلَّما ذكرها أورثته عُجْبًا وكِبْرًا ومِنَّةً، فتكون سببَ هلاكه (٢).

فيكون الذَّنبُ موجِبًا لترتُّب طاعاتٍ وحسناتٍ ومعاملاتٍ قلبيّةٍ من خوفٍ من الله، وحياءٍ منه، وإطراقٍ بين يديه منكِّسًا رأسَه خَجِلًا باكيًا نادمًا مستقيلًا ربَّه. وكلُّ واحدٍ من هذه الآثار (٣) أنفَعُ للعبد من طاعةٍ تُوجِب له صولةً، وكبرًا، وازدراءً بالنّاس، ورؤيتَهم بعين الاحتقار.

ولا ريب أنَّ هذا المُذْنِبَ خيرٌ عند الله وأقربُ إلى النَّجاة والفوز من هذا المعجَبِ بطاعته، الصّائلِ بها، المانِّ بها بحاله على الله وعباده، وإن قال بلسانه خلافَ ذلك، فالله شهيدٌ على ما في قلبه. ويكاد يعادي الخلائقَ إن (٤) لم يعظِّموه ويرفعوه ويخضعوا له، ويجدُ في قلبه بِغضةً لمن لم يفعل به كذلك، ولو فتَّش نفسه حقَّ التّفتيش لرأى فيها ذلك كامنًا. ولهذا تراه عاتبًا على من لم يعظِّمه ويعرِفْ له حقَّه، متطلِّبًا لعيبه في قالبِ حميَّةٍ لله، وغضبٍ له! وإذا قام بمن يعظِّمه ويحترمه ويخضع له من الذُّنوب أضعافُ ما قام بهذا فتَح له بابَ المعاذير والرَّجاء، وأغمَض عينَه وسمعَه، وكفَّ لسانه وقلبه، وقال: بابُ العصمة عن غير الأنبياء عليهم السلام مسدودٌ! وربَّما ظنَّ أنَّ ذنوبَه تُكفَّر بإجلاله وتعظيمه وإكرامه!


(١) ع: "مشى ذكر ذنبه فيحدث له انكسارًا وتوبةً".
(٢) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٢٤٢) عن أبي حازم بنحوه.
(٣) ع: "الخصال".
(٤) من ج. وفي ش: "إذا"، وفي غيرهما: "إذ". وفي ع: "الخلق" بدلًا من "الخلائق".

<<  <  ج: ص:  >  >>