للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا أراد الله بهذا العبد خيرًا ألقاه في ذنبٍ كسَره (١) به، وعرَّفَه قدرَه، وكفَى به عبادَه شرَّه، ونكَّسَ به رأسَه، واستخرجَ به منه داءَ العُجب والكبر والمنّة عليه وعلى عباده فيكونُ هذا الذَّنبُ أنفع لهذا من طاعاتٍ كثيرةٍ، ويكون بمنزلة شُربِ الدَّواء ليستخرجَ به الدَّاءَ العُضالَ، كما قيل بلسان الحال في قصّة آدم عليه السلام وخروجه من الجنّة بذنبه:

يا آدمُ، لا تجزَعْ من كأسِ زللٍ (٢) كانت سببَ كَيْسِك، فقد استُخْرِجَ بها منك داءٌ لا يصلُح أن تُجاورنا به، وأُلْبِسْتَ بها خِلْعةَ العبوديّة.

لعلَّ عتبَك محمودٌ عواقبُه ... وربَّما صحَّتِ الأجسامُ بالعِلَلِ (٣)

يا آدَمُ، إنّما ابتليتُك بالذَّنب لأنِّي أُحِبُّ أن أُظْهِرَ فضلي وجودي وكرمي على من عصاني. "لو لم تُذنبوا لذهَبَ الله بكم، ولجاء بقومٍ يُذنبون فيستغفرون، فأغفِرُ لهم" (٤).

يا آدمُ، كنتَ تدخل عليَّ دخولَ الملوك على الملوك، واليومَ تدخلُ عليَّ دخولَ العبيد على الملوك (٥).


(١) ع: "يكسره".
(٢) بعده في هامش ل: "فإنها" مع علامة صح. وفي الأصل وغيره: "كأس ذلك"، وما أثبتُّه من ع موافق لما جاء في "الفوائد" (ص ٥١)، و"مفتاح دار السعادة" (٢/ ٨٢٩)، ولا يبعد أن يكون "ذلك" تصحيفه. ويؤيده أنَّ في "بدائع الفوائد" (٣/ ١١٩٨): "كأس خطأ" كما في مصدر الفقرة وهو "المدهش" لابن الجوزي (١/ ١٦٢).
(٣) للمتنبي وقد تقدَّم قريبًا.
(٤) تقدَّم تخريجه (ص ٣٢٦).
(٥) وانظر: "الفوائد" (ص ٥١). وفي "طريق الهجرتين" (٢/ ٥١٠) أنَّ في بعض الآثار يقول الله تعالى ذلك لداود عليه السلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>