للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي نصب قوله: {رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا} ثلاثة أوجهٍ:

أحدها: أنَّه مفعولٌ له، أي: لم يكتبها عليهم إلَّا ابتغاء رضوان الله. وهذا فاسدٌ، فإنَّه لم يكتبها عليهم سبحانه، كيف وقد أخبر أنَّهم هم ابتدعوها، فهي مبتدعةٌ غير مكتوبةٍ. وأيضًا، فإنَّ المفعول لأجله يجب أن يكون علَّةً لفعل الفاعل المذكور معه، فيتَّحد السبب والغاية، نحو: قمت إكرامًا له، فالقائم هو المُكرِم، وفِعلُ (١) الفاعل المعلَّل هاهنا هو الكتابة، و {اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا} فِعلُهم لا فعل الله تعالى، فلا يصلح أن يكون علَّةً لفعل الله لاختلاف الفاعل.

وقيل: بدلٌ من مفعول {إِلَّا}، أي: ما كتبنا عليهم إلَّا ابتغاء رضوان الله. وهو فاسدٌ أيضًا، إذ ليس ابتغاء رضوان الله عينَ الرهبانية، فيكونَ بدل الشيء من الشيء، ولا بعضَها فيكونَ بدل بعضٍ من كلٍّ، ولا أحدُهما مشتملٌ على الآخر فيكونَ بدل اشتمالٍ، وليس ببدل غلطٍ.

فالصواب: أنه منصوبٌ نصبَ الاستثناء المنقطع. أي: لم يفعلوها ولم يبتدعوها إلَّا لطلب رضوان الله. ودلَّ على هذا قول (٢): {كَتَبْنَاهَا}، ثمَّ ذكر الحامل لهم والباعث على ابتداع هذه الرهبانية، وأنه طلب رضوانه تعالى (٣).


(١) في النسخ عدا ع: «جعل»، تصحيف.
(٢) ع: «قوله».
(٣) وقد أفاض القول في تفسير الآية شيخ الإسلام في «الجواب الصحيح» (٢/ ١٨٨ - ٢٠٠)، وانظر أيضًا (٣/ ١٧٠ - ١٧١)، وقرَّر أنه منصوب على الاستثناء المنقطع بمعنى: «لكن كتبنا عليهم ابتغاءَ رضوان الله، لم نكتب عليهم الرهبانية ... »، خلافًا لما ذهب إليه المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>