للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشبهها شيءٌ. ولا تكون لغير الذنب (١)، لا تحصل بجوعٍ، ولا رياضةٍ، ولا حبٍّ مجرَّدٍ. وإنّما هي أمرٌ وراء هذا كلِّه، تكسر القلبَ بين يدي ربِّه كسرةً تامّةً قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقَتْه بين يدي ربِّه طريحًا ذليلًا خاشعًا، كحال عبدٍ جانٍ آبقٍ من سيِّده، فأُخِذَ، وأُحضِرَ بين يديه، ولم يجد من يُنجيه من سطوته، ولم يجد منه بدًّا ولا عنه غَناءً ولا منه مهربًا، وعلِم أنّ حياته وسعادته وفلاحه (٢) ونجاته في رضاه عنه، وقد علِمَ إحاطةَ سيِّده (٣) بتفاصيل جناياته. هذا مع حبِّه لسيِّده، وشدّةِ حاجته إليه، وعلمِه بضعفِه وعجزِه وقوّةِ سيِّده، وذُلِّه وعِزِّ سيِّده. فيجتمع من هذه الأحوال كَسْرةٌ وذلّةٌ وخضوعٌ، ما أنفعها للعبد! وما أجزلَ عائدَها (٤) عليه! وما أعظمَ جبرَه بها (٥)! وما أقربه بها من سيِّده (٦)! فليس شيءٌ أحبَّ إلى سيِّده من هذه الكسرة والخضوع والتّذلُّل والإخبات، والانطراح (٧) بين يديه، والاستسلام له!

فلله ما أحلى قوله في هذه الحال: أسألك بعزِّك وذلِّي لك إلّا رحمتني. أسألك بقوّتك وضعفي، وبغناك عنِّي وفقري إليك. هذه ناصيتي الكاذبة الخاطئة بين يديك. عبيدُك سواي كثيرٌ، وليس لي سيِّدٌ سواك. لا ملجأ ولا


(١) ج: "التائب". وفي ع: "المذنب".
(٢) بعده في ش زيادة: "ونجاحه"، وقد استدركت في هامش م.
(٣) ج: "إحاطة علم سيده".
(٤) ع: "أجدى عائدتها".
(٥) ج: "خيرها".
(٦) ج: "إلى سيده".
(٧) ج: "والاطراح".

<<  <  ج: ص:  >  >>