للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منجى منك إلّا إليك. أسألك مسألةَ المسكين، وأبتهل إليك ابتهالَ الخاضع الذّليل، وأدعوك دعاءَ الخائف الضَّرير، سؤالَ من خضعَتْ لك رقبتُه، ورغِمَ لك أنفُه، وفاضت لك عيناه، وذلَّ لك قلبُه.

يا مَن ألوذُ به فيما أؤمِّلُه ... ومَن أعوذ به فيما أُحاذِرُهُ (١)

لا يجبُر النّاسُ عظمًا أنت كاسرُه ... ولا يَهِيضُون عَظْمًا أنت جابرُهُ (٢)

فهذا وأمثاله من آثار التّوبة المقبولة. فمن لم يجد ذلك في قلبه فليتَّهِمْ توبتَه، وليرجع إلى تصحيحها. فما أصعبَ التّوبةَ الصّحيحةَ بالحقيقة! وما أسهلها باللِّسان والدّعوى! وما عالج الصّادقُ شيئًا أشقَّ عليه من التّوبة الصّادقة الخالصة، فلا حول ولا قوّة إلّا بالله.

وأكثر النّاس المتبرِّئين (٣) عن الكبائر الحسِّيّة والقاذورات في كبائر مثلِها أو أعظمَ منها أو دونَها، ولا يخطر بقلوبهم أنّها ذنوبٌ ليتوبوا منها! فعندهم من الإزراءِ على أهل الكبائر واحتقارِهم، وصولةِ طاعاتهم عليهم، ومنَّتِهم على الخلق بلسان الحال، واقتضاءِ بواطِنهم لتعظيم الخلق لهم على طاعاتهم اقتضاءً لا يخفى على أحدٍ غيرهم، وتوابعِ ذلك= ما هو أبغَضُ إلى الله تعالى وأبعَدُ لهم عن بابه من كبائر أولئك. فإن تدارك الله أحدَهم بقاذورةٍ أو كبيرةٍ تُوقِعُه ليكسر بها نفسه، ويعرِّفه بها قدره، ويُذِلَّه بها، ويُخرِجَ بها صولةَ


(١) كذا "فيما أحاذره" في جميع النسخ هنا وفي آخر هذه المنزلة (٢/ ٥٠). وفي "الديوان": "مما أحاذره".
(٢) البيتان للمتنبي في "ديوانه" (ص ٣٨ - ٣٩)، وقد أنشدهما المصنف له في "شفاء العليل" (ص ٢٤٠).
(٣) ع: "المتنزِّهين".

<<  <  ج: ص:  >  >>