الطّاعة من قلبه = فهي رحمةٌ في حقِّه، كما أنّه إذا تدارك أصحابَ الكبائر بتوبةٍ نصوحٍ وإقبالٍ بقلوبهم إليه، فهو رحمةٌ في حقِّهم، وإلّا فكلاهما على خطرٍ.
فصل
وأمّا طلب أعذار الخليقة، فهذا له وجهان: وجهٌ محمودٌ، ووجهٌ مذمومٌ حرامٌ.
فالمذموم: أن يطلب أعذارَهم نظرًا إلى الحكمِ القدَريِّ وجريانِه عليهم، شاؤوا أم أبوا، فيعذِرَهم بالقدَر.
وهذا القَدْرُ ينتهي إليه كثيرٌ من السّالكين النّاظرين إلى القدر الفانين في شهوده، وهو ــ كما تقدّم ــ دربٌ خَطِرٌ جدًّا، قليل المنفعة، لا يُنجِي وحده.
وأظنُّ هذا مراد صاحب "المنازل"، لأنّه قال بعد ذلك (١): (إنَّ مشاهدةَ العبدِ الحُكمَ لم تدَعْ له استحسانَ حسنةٍ ولا استقباحَ سيِّئةٍ، لصعوده من جميع المعاني إلى معنى الحُكْم).
وهذا الشُّهودُ شهودٌ ناقصٌ مذمومٌ، إن طرَدَه صاحبُه، فعذَر أعداءَ الله وأهلَ مخالفته ومخالفة رسله، وطلَب أعذارهم= كان مضادًّا لله في أمره، عاذرًا من لم يعذِره الله، طالبًا عذرَ من لامه الله وأمَر بلَومِه. وليست هذه موافقةً لله، بل موافقتُه لومُ هذا، واعتقادُ أنّه لا عذر له عند الله ولا في نفس الأمر. فالله عزّ وجلّ قد أعذَر إليه، وأزال عذرَه بالكلِّيّة. ولو كان معذورًا في نفس الأمر عند الله لما عاقبه البتّة، فإنّ الله أرحَم وأغنى وأعدَل من أن يعاقب
(١) في ذكر "لطائف سرائر التوبة" (ص ١١) وسيأتي الكلام عليه في محلّه أيضًا.