للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: (تقطع الوساوس)، فإنّ الوسواس والمحبّة متناقضان، فإنّ المحبّة توجب استيلاء ذكر المحبوب على القلب، والوسواس (١) يقتضي غيبته عنه، حتّى توسوس له نفسه بغيره. فبين المحبّة والوسواس تناقضٌ شديدٌ، كما بين الذِّكر والغفلة.

فعزيمةُ المحبّة تنفي تردُّدَ القلب بين المحبوب وغيره، وذلك سبب الوسواس، وهيهاتَ أن يجد المحبُّ الصّادق فراغًا لوسواسٍ، لاستغراق قلبه في حضوره بين يدي محبوبه. وهل الوسواس إلّا لأهل الغفلة والإعراض؟

لا كان مَن لسواك فيه بقيّةٌ ... فيها يُقسِّم فِكْرَه ويُوسوِسُ (٢)

قوله: (وتَلَذُّ الخدمةَ)، أي المحبُّ يلتذُّ بخدمة محبوبه، فيرتفع عن رؤية التَّعب الذي يراه الخَلِيُّ في أثناء الخدمة. وهذا معلومٌ بالمشاهدة.

قوله: (وتُسلِّي عن المصائب)، فإنّ المحبّ يجد في لذّة المحبّة ما يُنسِيه المصائبَ، ولا يجد من مَسِّها ما يجد غيره، حتّى كأنّه قد اكتسى طبيعةً ثانيةً ليست بطبيعة (٣) الخلق. بل يقوى سلطانُ المحبّة، حتّى يلتذّ بكثيرٍ من المصائب أعظمَ من التذاذِ الخَلِيِّ بحظوظه وشهواتِه. والذّوق والوجود شاهدٌ بذلك.


(١) ش: «والوساوس».
(٢) البيت بعجز مختلف فيما مضى (ص ٣٨٨)، وسيأتي بقافية أخرى (٤/ ١٨١) وأنشده المؤلف في «طريق الهجرتين» (٢/ ٥٠٣، ٦٣٨)، و «الفوائد» (ص ٨٩).
(٣) ل: «طبيعة».

<<  <  ج: ص:  >  >>