للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتبيَّن (١) معناها والمراد بها، فإنَّ الكونين عبارةٌ عن جميع ما خلقه الله في الدُّنيا والآخرة، ويعبَّر عنهما بعالم الغيب وعالم الشهادة، وفيهما الرُّسل والأنبياء، والملائكة والأولياء، فكيف ينفصل عنهم ولا ينظر إليهم، ولا يقف بقلبه عليهم، ولا يبالي بهم؟

فاعلم أنَّ في لسان القوم من الاستعارات، وإطلاق العامِّ وإرادة الخاصِّ، وإطلاق اللَّفظ وإرادة إشارته دون حقيقة معناه= ما ليس في لسان أحدٍ من الطوائف غيرهم. ولهذا يقولون: نحن أصحاب الإشارة لا أصحاب العبارة (٢)، والإشارة لنا والعبارة لغيرنا. وقد يطلقون العبارة التي يطلقها الملحد، ويريدون بها معنًى لا فساد فيه. وصار هذا سببًا لفتنة طائفتين: طائفة تعلَّقوا عليهم بظاهر عباراتهم، فبدَّعوهم وضلَّلوهم؛ وطائفة نظروا إلى مقاصدهم ومغزاهم، فصوَّبوا تلك العبارات، وصحَّحوا تلك الإشارات. وطالب الحقِّ يقبله ممَّن كان، ويردُّ ما خالفه على من كان.

ومراد الشيخ وأهل الاستقامة: أنَّ النفس لمَّا كانت مائلةً إلى الملذوذات المحسوسة والمعنويَّة المشاهدة والغائبة (٣) = كان النظر إليها والوقوفُ معها علَّةً في الطريق والقصد جميعًا، فكان شاغلًا لها عن النظر إلى نفس المقصود وحده، والوقوفِ معه دون غيره، والالتفاتِ إليه دون ما سواه.

فمتى قوي تعلُّق القلب بالمقصود الأعلى، بحيث يَشْغَله ذكرُه عن ذكر


(١) ت، ر: «يبين».
(٢) ت، ر: «إشارةٍ ... عبارةٍ».
(٣) ت، ر: «المعاينة»، ولعل المثبت أقرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>