للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وخواصُّهم رأوا هذا مقصودًا لغيره، وأنّ المقصودَ به عكوفُ القلب على الله تعالى، وجمعُ الهمّة عليه، وتفريغُ القلب لمحبّته، والإنابة إليه، والتّوكُّل عليه، والاشتغال بمرضاته. فرأوا أنَّ أفضلَ العبادات في الجمعيّة على الله تعالى ودوامِ ذكره بالقلب واللِّسان والاشتغالِ بمراقبته دونَ كلِّ ما فيه تفريقٌ للقلب وتشتيتٌ له.

ثمّ هؤلاء قسمان: فالعارفون المتَّبعون منهم إذا جاء الأمر والنّهي بادروا إليه، ولو فرَّقَهم وأذهبَ جمعيَّتَهم. والمنحرفون منهم يقولون: المقصودُ من العبادة جمعيَّةُ القلب على الله، فإذا جاء ما يفرِّقه عن الله لم يلتفت إليه، وربّما يقول:

يطالَبُ بالأوراد من كان غافلًا ... فكيف بقلبٍ كلُّ أوقاته وِرْدُ (١)

ثمّ هؤلاء أيضًا قسمان: منهم من يترك الواجبات والفرائض لجمعيّته. ومنهم من يقوم بها، ويترك السُّننَ والنّوافلَ وتعلُّمَ العلم النّافع لجمعيّته.

وسأل بعض هؤلاء شيخًا عارفًا، فقال: إذا أذَّن المؤذِّنُ وأنا في جمعيّتي على الله تعالى، فإن قمتُ وخرجتُ تفرَّقتُ، وإن بقيتُ على حالي بقيتُ على جمعيّتي؛ فما الأفضل في حقِّي؟ فقال: إذا أذّن المؤذِّن وأنت تحت العرش، فقُمْ، فأجِبْ داعي الله، ثمّ عُدْ إلى موضعك. وهذا لأنّ الجمعيّةَ على الله تعالى حظُّ الرُّوح والقلب، وإجابةَ الدّاعي حقُّ الرّبِّ. ومن آثر حظَّ روحه على حقِّ ربِّه، فليس من أهل {إِيَّاكَ نَعْبُدُ}.


(١) لم أقف على البيت في المصادر التي بين يديَّ، وسيأتي غير مرَّة في هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>