للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَرَيانِ حكمِها (١) عليها. فيقوِّي سبحانه بعضَها ببعضٍ، ويُبطل ــ إن شاء ــ بعضَها ببعضٍ، ويسلُب بعضَها قوّته وسببيّته ويعرِّيه (٢) منها، ويمنعُه من موجَبها مع إبقائها عليه؛ ليعلمَ خلقُه أنّه الفعَّالُ لما يريد، وأنّه لا مستقلَّ بالفعل والتّأثير غير مشيئته، وأنَّ التّعلُّقَ بالسَّببِ دونه كالتّعلُّقِ ببيت العنكبوت، مع كونه سببًا.

وهذا بابٌ عظيمٌ نافعٌ في التّوحيد وإثبات الحِكَم، يُوجِب للعبد ــ إذا تبصَّر فيه ــ الصُّعودَ من الأسباب إلى مسبِّبها، والتّعلُّقَ به دونها، وأنّها لا تضرُّ ولا تنفع إلّا بإذنه، وأنّه إذا شاء جَعلَ نافعَها ضارًّا وضارَّها نافعًا، ودواءَها داءً وداءَها دواءً. فالالتفاتُ إليها بالكلِّيّة شركٌ منافٍ للتّوحيد، وإنكارُها أن تكون أسبابًا بالكلِّيّة قدحٌ في الشَّرع والحكمة. والإعراضُ عنها ــ مع العلم بكونها أسبابًا ــ نقصانٌ في العقل (٣). وتنزيلُها منازلَها، ومدافعةُ بعضها ببعضٍ، وتسليطُ بعضها على بعضٍ، وشهودُ الجمع في تفرُّقها، والقيامُ بها= هو محضُ العبوديّة والمعرفة، وإثباتُ التَّوحيد والشَّرع والقدَر والحكمة (٤). والله أعلم.


(١) في هامش ع أن في نسخة: "حكمه".
(٢) في نسخة: "ويعرِّيها" كما في هامش ع.
(٣) قوله: "فالالتفات إليها ... في العقل" نسبه شيخ الإسلام في "بغية المرتاد" (ص ٢٦٢) و"منهاج السنة" (٥/ ٣٦٦) إلى الغزالي وابن الجوزي. وهو بنحوه في "إحياء علوم الدين" (٤/ ٣٧٤). وسينقله المصنف في منزلة التوحيد (٤/ ٥٢٢) عن "بعض أهل العلم".
(٤) قد أحال المصنف من قبل (ص ١٤٠) لإفاضة القول في مسألة التحسين والتقبيح على كتابه "مفتاح دار السعادة"، وسيأتي الكلام على المسألة مرة أخرى في منزلة التوحيد (٤/ ٥١٠) مع الإحالة على الكتاب المذكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>