للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سببًا لهما (١)، ولا لها عللٌ غائيّةٌ هي مفضيةٌ إليها، وإنّما هي متعلَّق المشيئة والإرادة والأمر والنّهي فقط!

والفقهاءُ لا يمكنهم البناءُ على هذه الطَّريقة البتّةَ، فكلُّهم مُجمعون ــ إذا تكلَّموا بلسان الفقه ــ على بطلانها، إذ يتكلَّمون في العلل والمناسبات الدَّاعية لشَرْع الحُكم، ويفرِّقون بين المصالح الخالصة والرّاجحة والمرجوحة والمفاسد التي هي كذلك، ويقدِّمون أرجحَ المصلحتين على مرجوحهما، ويدفعون أقوى المفسدتين باحتمال أدناهما. ولا يتمُّ لهم ذلك إلّا باستخراج الحِكَم والعلل، ومعرفة المصالح والمفاسد النّاشئة من الأفعال، ومعرفة رُتَبها.

وكذلك الأطبّاءُ، لا يصحُّ لهم علمُ الطِّبِّ وعملُه إلّا بمعرفة قوى الأدوية والأغذية والأمزجة (٢) وطبائعها، ونسبةِ بعضها إلى بعضٍ، ومقدارِ تأثير بعضها في بعضٍ، وانفعالِ بعضها عن البعض (٣)، والموازنةِ بين قوَّة الدَّواء وقوَّة المرض وقوَّة المريض (٤)، ودفعِ الضِّدِّ بضدِّه، وحفظِ ما يريدون حفظَه بمثله ومناسبه. فصناعةُ الطِّبِّ (٥) وعملُه مبنيٌّ على معرفة الأسباب والعلل والقوى والطّبائع والخواصِّ، فلو نفَوا ذلك وأبطلوه، وأحالوا على محض المشيئة وصِرْفِ الإرادة المجرَّدة عن الأسباب والعلل، وجعلوا


(١) ج: "لها".
(٢) ع: "والأمزجة والأغذية".
(٣) ش: "بعض".
(٤) "وقوة المريض" ساقط من ق، ش، ومستدرك في هامش ق، ل.
(٥) ج، م: "وصناعة الطب"، والواو ساقطة من ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>