للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، واستقباح فعل الأوّل؟

وكذلك قوله تعالى: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} [البقرة: ٢٦٦]. فنبَّه سبحانه العقولَ على قبح (١) ما فيها من الأعمال السّيِّئة التي تُحبِط ثوابَ الحسنات. وشبَّهها سبحانه بحال شيخٍ كبيرٍ له ذرِّيّةٌ ضعفاءُ، بحيث يخشى عليهم الضَّيعةَ وعلى نفسه، وله بستانٌ هو مادّةُ عيشِه وعيشِ ذرِّيّته، فيه النَّخيلُ والأعنابُ ومن كلِّ الثَّمرات، فأرجى ما هو له وأسَرُّ ما كان به إذ أصابته نارٌ شديدةٌ فأحرقته. فنبَّه العقولَ على أنَّ قبحَ المعاصي التي تُغرِقُ الطّاعاتِ بعدها كقبح هذه الحال. وبهذا فسَّرها عمر وابن عبّاس: برجلٍ عمل بطاعة الله زمانًا، فبعث الله إليه (٢) الشَّيطانَ، فعمِل بمعاصي الله حتّى أغرق أعمالَه، ذكره البخاريُّ في "صحيحه" (٣). أفلا تراه نبَّه العقولَ على قُبح المعصية بعد الطّاعة، وضرَبَ لقبُحها هذا المثل؟ (٤).

ونفاةُ التَّعليل والأسباب والحِكَم وحسنِ الأفعال وقبحِها يقولون: ما ثَمَّ إلّا محضُ المشيئة، لا أنَّ بعضَ الأعمال يُبطِل بعضًا، وليس فيها ما هو قبيحٌ لعينه، حتّى يشبَّه بقبيحٍ آخر، وليس فيها ما هو منشأٌ لمفسدةٍ أو مصلحةٍ تكون


(١) لفظ "قبح" ساقط من ج، ش.
(٢) "إليه" ساقط من ش.
(٣) برقم (٤٥٣٨).
(٤) راجع أيضًا: "أعلام الموقعين" (١/ ٣٦٨ - ٣٧٠) و"طريق الهجرتين" (٢/ ٨٠٦ - ٨١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>