للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأذى والرِّياء مستقرٌّ في العقول، فلذلك نبَّهها على شبهه ومثاله (١).

وعكسُ ذلك قوله تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: ٢٦٥]. فإن كانت هذه الجنّة التي بموضعٍ عالٍ حيث لا تحجب عنها الشّمسُ والرِّياحُ، وقد أصابها مطرٌ شديدٌ، فأخرجت ثمرَها (٢) ضعفَيْ ما يُخرج غيرُها= إن كانت مستحسنةً في العقل والحسِّ، فكذلك نفقةُ من أنفق ماله لوجه الله، لا للجزاء من الخلق ولا شكورهم (٣)، بثباتٍ من نفسه وقوّةٍ على الإنفاق، لا يُخرج النّفقةَ وقلبهُ يرجُف على خروجها، ويداه ترتعدانِ (٤)، ويضعفُ قلبه ويخورُ عند الإنفاق، بخلاف نفقة صاحب التَّثبيت والقوَّة (٥).

ولمَّا كان النَّاسُ في الإنفاق على هذين القسمين كان مثلُ نفقة صاحب الإخلاص والقوَّة والتَّثبيت كمثل الوابل، ومثلُ نفقة الآخر كمثل الطَّلِّ، وهو المطر الضّعيف. فهذا بحسب كثرة الإنفاق وقلَّته، وكمال الإخلاص والقوَّة واليقين فيه وضَعفِه. أفلا تراه سبحانه نبَّه العقولَ على ما فيها من استحسان


(١) ش: "شبهها ومثالها". وفي ج بياض في موضع "ومثالها". وانظر تفسير المثل في "طريق الهجرتين" (٢/ ٨٠٠ - ٨٠٢) و"أعلام الموقعين" (١/ ٣٧٠ - ٣٧١) أيضًا.
(٢) ع: "ثمرتها".
(٣) ع: "يرتعدان". وفي غيرها: "ترتعد" بالإفراد.
(٤) ع: "لجزاء من الخلق ولا شكور"، وأشير في الهامش إلى أن في نسخة: "لشكور".
(٥) راجع أيضًا في تفسير المثل: "أعلام الموقعين" (١/ ٣٦٧ - ٣٦٨) و"طريق الهجرتين" (٢/ ٨٠٣ - ٨٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>