للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نبَّهَ العقولَ وأرشدها إلى معرفة ما أُودع فيها من قُبح ذلك.

وكذلك قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَالِمًا (١) لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: ٢٩]. احتجَّ سبحانه على قبح الشِّرك بما تعرفه العقولُ من الفرق بين حالِ مملوكٍ يملكه أربابٌ متعاسرون سيِّئوا المَلَكة، وحالِ عبد يملكه سيِّدٌ واحدٌ قد سلِمَ كلُّه له، فهل يصحُّ في العقول استواءُ حال العبدين؟ فكذلك حالُ المشرك والموحِّد الذي قد سلِمتْ عبوديّتُه للواحد (٢) الحقِّ، لا يستويان.

وكذلك قوله تعالى (٣) ممثِّلًا لقبح الرِّياء المُبطلِ للعمل، والمنِّ والأذى المُبطلِ للصّدقات بـ {كَمَثَلِ} وهو الحجر الأملس {صَفْوَانٍ عَلَيْهِ} غبارٌ قد لصِقَ به {تُرَابٌ} مطرٌ شديدٌ، فأزال ما عليه من التُّراب، وتركه {فَتَرَكَهُ صَلْدًا} أملسَ لا شيء عليه. وهذا المثلُ في غاية المطابقة لمن فهمه. فالصّفوان ــ وهو الحجر ــ كقلب المرائي والمانِّ والمؤذي، والتُّراب الذي لصق به: ما تعلَّق به من أثر عمله وصدقته، والوابل: المطر الذي به حياة الأرض، فإذا صادفها ليِّنةً قابلة يُنبِتُ (٤) فيها الكلأَ، وإذا صادفَ الصُّخورَ والحجارةَ الصُّمَّ لم يُنبت فيها شيئًا. فجاء هذا الوابل إلى التُّراب الذي على الحَجر، فصادفه رقيقًا فأزاله، فأفضى إلى حجرٍ غير قابلٍ للنّبات. وهذا يدلُّ على أنَّ قبحَ المنِّ


(١) هكذا في النسخ على قراءة أبي عمرو وابن كثير.
(٢) ع: "لإلهه".
(٣) في سورة البقرة [٢٦٤].
(٤) ما عدا الأصل: "نبت".

<<  <  ج: ص:  >  >>