للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مخالفتهم. قال تعالى (١): {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [الملك: ١٠].

وكم يقول لهم في كتابه: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ}، {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}! فينبِّههم على ما في عقولهم وفِطَرهم من الحسَن والقبيح، ويحتجُّ عليهم بها، ويخبر أنّه أعطاهموها لينتفعوا بها ويميِّزوا بها بين الحسن والقبيح والحقِّ والباطل.

وكم في القرآن من مثلٍ عقليٍّ وحسِّيٍّ ينبِّه به العقولَ على حسن ما أمر به، وقبح ما نهى عنه؛ فلو لم يكن في نفسه كذلك لم يكن لضرب الأمثال للعقول معنًى، ولكان إثباتُ ذلك بمجرَّد الأمر والنّهي دون ضربِ الأمثال وتبيينِ جهة القبح المشهودة بالحسِّ والعقل.

والقرآن مملوءٌ بهذا لمن تدبَّره، كقوله تعالى: {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: ٢٨]. يحتجُّ سبحانه عليهم بما في عقولهم من قبحِ كونِ مملوكِ أحدهم شريكًا له. فإذا كان أحدكم يستقبح أن يكون مملوكُه شريكَه، ولا يرضى بذلك، فكيف تجعلون لي من عبيدي شركاء تعبدونهم كعبادتي؟ وهذا يبيِّن (٢) أنَّ قبحَ عبادة غيره تعالى مستقِرٌّ (٣) في العقول والفِطَر، والسَّمعُ


(١) بعده في ع زيادة: "حاكيًا عنهم".
(٢) ش: "بيِّن". وفي ج: "وبهذا يتبين".
(٣) في جميع النسخ: "مستقرَّة"، غير أن بعضهم حاول طمس الهاء في ق، وفي هامش ش: "ظ مستقر"، وهو الصواب فإن المستقرَّ في العقول هو قبح عبادة غير الله، لا عبادة غير الله، فلا يصح الإخبار هنا عن المضاف إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>