أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} [ص: ٢٨]. وهذا استفهام إنكارٍ، فدلَّ على أنّ هذا قبيحٌ في نفسه، منكَرٌ تنكره العقول والفِطَر، أفيظنُّون أنَّ ذلك يليق بنا أو يحسن منّا فعلُه؟ فأنكره سبحانه إنكار منبِّهٍ للعقل والفطرة على قبحه، وأنّه لا يليق بالله نسبته إليه.
وكذلك إنكارُه سبحانه قبحَ الشِّرك به في الإلهية (١)، وعبادة غيره معه بما ضربه لهم من الأمثال، وأقام على بطلانه من الأدلّة العقليّة. ولو كان إنّما قبُح بالشّرع لم يكن لتلك الأدلّة والأمثال معنًى.
وعند نفاة التّحسين والتّقبيح يجوز في العقل أن يأمر بالإشراك به وبعبادة غيره، وإنّما عُلِمَ قبحُه بمجرَّد النّهي عنه!
فيا عجبًا! أيُّ فائدةٍ تبقى في تلك الأمثال والحجج والبراهين الدَّالَّة على قبحه في صريح العقول والفِطَر وأنّه أقبَحُ القبيح وأظلَمُ الظُّلم؟ وأيُّ شيءٍ يصحُّ في العقل إذا لم يكن فيه علمٌ بقبح الشِّرك الذّاتيِّ، وأنّ العلمَ بقبحه بديهيٌّ معلومٌ بضرورة العقل، وأنَّ الرُّسلَ نبَّهوا الأمم على ما في عقولهم وفِطَرهم من قبحه، وأنّ أصحابه ليست لهم عقولٌ ولا ألبابٌ ولا أفئدةٌ، بل نفى عنهم السَّمعَ والبصرَ ــ والمرادُ: سمعُ القلب وبصرُه ــ فأخبر أنّهم صمٌّ بكمٌ عميٌ ــ وذلك وصفُ قلوبهم: لا تسمع ولا تبصر ولا تنطق ــ وشبَّههم بالأنعام التي لا عقول لَها تميِّز بها بين الحسن والقبيح والحقِّ والباطل. ولذلك اعترفوا في النّار بأنّهم لم يكونوا من أهل السَّمع والعقل، وأنّهم لو رجعوا إلى أسماعهم وعقولهم لَعلِموا حسنَ ما جاءت به الرُّسل وقبحَ