للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فصاحبها مع لذّةِ روحه ونعيمِ قلبه بمطالعة الصِّفات، فإنّ لذّة الأرواح والعقول لا مَحالةَ في مطالعة صفات الكمال ونعوتِ الجمال.

وصاحب هذه المحبّة الثّالثة قد ارتقى عن هاتين الدّرجتين، وأخذ منه، وغُيِّبَ عنه. وهذا مبنيٌّ على أصله في كون الفناء غايةً. وقد عرفته.

وقوله: (ونادت عليها الألسن)، أي وصفتْها الألسن، فأكثرتْ صفاتِها، وتمكَّنتْ من التّعبير عنها.

و (ادّعتْها (١) الخليقة)، بخلاف الدّرجة الثّالثة، فإنّه لا وصولَ لأحدٍ إليها إلّا بالحقِّ تعالى. فهي غيرُ كَسبيّةٍ، ولا تُنال بسببٍ، فلا يُمكن فيها الدّعوى، فإنّ شأنها أجلُّ من ذلك.

وقوله: (وأوجبتْها العقول)، يريد: أنّ العقل يحكم بوجوبها. وهو كما قال، فإنّ العقول تحكم بوجوب تقديم محبّة الله على محبّة النّفس والأهل والمال والولد وكلِّ ما سواه.

وكلُّ من لم يَحْكُم عقلُه بهذا فلا تَعْبَأْ بعقله، فإنّ العقل والفطرة والشِّرعة والاعتبار والنّظر يدعو إلى محبّته، بل إلى توحيده في المحبّة. وإنّما جاءت الرُّسل بتقريرِ ما في الفِطَر والعقول:

هَبِ الرُّسْلَ لم تأتِ من عنده ... ولا أخبرتْ عن جمال الحبيبِ (٢)

أليس من الواجب المستحقْ ... محبَّتُه في اللِّقا والمَغيبِ

فمن لم يكن عقلُه آمرًا ... بذا ما له في الحِجى من نصيب


(١) «الألسن ... وادعتها» ساقطة من ش.
(٢) يبدو أن الأبيات للمؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>