للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليقظةَ معه في كلِّ مقامٍ لا تفارقه. وكذلك البصيرة والإرادة والعزم. وكذلك التّوبة، فإنّها كما أنَّها من أوّل المقامات فهي آخرها أيضًا، بل هي في كلِّ مقامٍ مستصحَبةٌ.

ولهذا جعلها الله آخر مقامات خاصَّته، فقال تعالى في غزوة تبوك آخرِ الغزوات التي قطعوا فيها الأودية والبدايات والأحوال والنِّهايات (١): {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ تَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ} (٢) [التوبة: ١١٧]، فجعل التّوبةَ أوّلَ أمرهم وآخرَه.

وقال في سورة أجَلِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي هي آخرُ سورةٍ أُنزلت جميعًا: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (٣)}. وفي "الصّحيحين" (٣) عن عاشئة - رضي الله عنها - أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ما صلّى صلاةً بعد إذ أُنزلت عليه هذه السُّورة إلّا قال في ركوعه وسجوده: "سبحانك اللهمَّ ربَّنا وبحمدك، اللهمّ اغفر لي".


(١) يعني المقامات التي ذكرها صاحب "المنازل" في هذه الأقسام الأربعة. وهي عشرة أقسام في كتابه. والظاهر أن ذكر الأربعة هنا للتمثيل فقط، والمقصود المقامات على وجه العموم.
(٢) "تزيغ" و"رؤُفٌ" على قراءة أبي عمرو وغيره. وقراءة حفص وحمزة: "يزيغ"، وكذلك قراءة حفص والحرميين وابن عامر: "رَءوفٌ". انظر: "الإقناع" لابن الباذش (ص ٣٠٢، ٦٥٩).
(٣) البخاري (٤٩٦٧) ومسلم (٤٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>