للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يريد أنّه ينقاد إلى العلم ليتهذَّب به ويصلُح به، ويقصد إجابة داعي الحكم الدِّينيِّ الأمريِّ كلَّما دعاه، فإنّ للحكم في كلِّ مسألةٍ من مسائل العلم مناديًا ينادي للإيمان بها علمًا وعملًا، فيقصد إجابة داعيها. ولكنَّ مراده بدواعي الحكم: الأسرار والحِكَم الدّاعية إلى شرع الحكم، فإجابتها قدرٌ زائدٌ على مجرّد الامتثال، فإنّها تدعو إلى المحبّة والإجلال والمعرفة والحمد. فالأمر (١) يدعو إلى الامتثال، وما تضمَّنه من الحِكَم والغايات تدعو إلى المعرفة والمحبّة.

وقوله: (وقصدُ اقتحامِ بحرِ الفناء)، هذا هو الغاية المطلوبة عند القوم. وهو عند بعضهم من لوازم الطّريق وليس بغايةٍ، وعند آخرين عارضٌ من عوارض الطّريق، ليس بغايةٍ، ولا هو لازمٌ لكلِّ سالكٍ. وأهلُ القوّة والعزم لا يعرض لهم، وحالُ البقاء أكمل منه، ولهذا كان البقاء حال نبيِّنا ليلةَ الإسراء، وقد رأى ما رأى؛ وحالُ موسى الفناء، ولهذا خرَّ صَعِقًا عند تجلِّي الله للجبل (٢). وامرأةُ العزيز كانت أكمل حبًّا ليوسف من النِّسوة، ولم يعرض لها ما عرض لهنّ عند رؤيته لفنائهنّ وبقائها (٣). وسيأتي إن شاء الله تحقيقُ الكلام فيه.

فصل

فإذا استحكم قصدُه صار عزمًا جازمًا، مستلزمًا (٤) للشُّروع في السّفر،


(١) ل، ج: "والأمر".
(٢) انظر: "الجواب الصحيح" (٤/ ١٢) وكتابنا هذا (٣/ ٣٥٧، ٤٧٢، ٥٠٣).
(٣) وانظر هذا المعنى أيضًا في "طريق الهجرتين" (٢/ ٧٠٣ - ٧٠٤).
(٤) "مستلزمًا" ساقط من ش.

<<  <  ج: ص:  >  >>