للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الكلام إن أُخِذَ على ظاهره فهو من أبطل الباطل، الذي لولا إحسانُ الظّنِّ بقائله (١) ومعرفةُ قدره من الإمامة والعلم والدِّين لَنُسِبَ إلى لازم هذا الكلام. ولكن مَن عدا المعصوم فمأخوذٌ من قوله (٢) ومتروكٌ. ومن ذا الذي لم تزِلَّ به القدمُ ولم يَكْبُ به الجوادُ!

ومعنى هذا أنَّ العبدَ ما دام في مقام التَّفرقة، فإنّه يَستحسِنُ بعض الأفعال ويَستقبِح بعضَها نظرًا إلى ذواتها (٣) وما افترقت فيه، فإذا تجاوزها نظرُه إلى مصدرها الأوّل، وصدورها عن عَينِ الحكم، واجتماعها كلِّها في تلك العين، وانسحابِ ذيل المشيئة عليها، ووحدةِ المصدر ــ وهو المشيئة الشَّاملة العامَّة الموجِبة ــ فهي بالنِّسبة إلى مصدرِ الحكم وعينِ المشيئة لا توصف بحسنٍ ولا قبحٍ، إذ الحسنُ والقبحُ إنّما عرَضَا لها عند قيامها بالكون وجرَيانها عليه. فهي بمنزلة نور الشّمس: واحدٌ في نفسه، غيرُ متلوِّنٍ ولا موصوفٍ بحمرةٍ ولا صفرةٍ ولا خضرةٍ، فإذا اتّصلَ بالمحالِّ المتلوِّنة وُصِفَ حينئذٍ بحسب تلك المحالِّ، لإضافته إليها واتِّصاله بها، فيُرى أحمر وأصفر وأخضر. وهو بريءٌ من ذلك كلِّه إذا صَعِد من تلك المحالِّ إلى مصدره الأوّل المجرَّد عن القوابل. فهذا أحسَنُ ما يُحمَل عليه كلامُه.

على أنّ له محملًا آخر مبني (٤) على أصولٍ فاسدةٍ، وهي أنَّ إرادةَ الرَّبِّ تعالى هي عينُ محبّته ورضاه، فكلُّ ما شاءه فقد أحبَّه ورَضِيَه، وكلُّ ما لم


(١) ع: "بصاحبه وقائله".
(٢) ج: "كلامه".
(٣) ش: "ذاتها".
(٤) كذا في جميع النسخ: "مبني" بالرفع.

<<  <  ج: ص:  >  >>