للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يشأه فهو مسخوطٌ له مبغوضٌ. فالمبغوضُ المسخوطُ هو ما لم يشأه، والمحبوبُ المرضيُّ هو ما شاءه.

هذا أصلُ القدريَّةِ الجبريَّةِ المنكرين للحِكَم والتَّعليلِ والأسبابِ وتحسينِ العقل وتقبيحِه، وأنّ الأفعالَ كلَّها سواءٌ، لا يختصُّ بعضها بما صار حسنًا لأجله، وبعضها بما صار قبيحًا لأجله. وما ثَمَّ إلا محضُ الأمر والنهي، الذي حسُنَ البعضُ منها لأجله (١)، وقبُحَ البعضُ لأجله. ويجوز في العقل أن يأمرَ (٢) بما نَهى عنه، وينهى عمّا أمَر به، ولا يكون ذلك مناقضًا للحكمة؛ إذ الحكمةُ ترجع عندهم إلى مطابقة العلمِ الأزليِّ لمعلومه، والإرادةِ الأزليَّة لِمرادها، والقدرةِ لمقدورها. فإذن الأفعالُ بالنِّسبة إلى المشيئة والإرادة مستويةٌ لا تُوصَف بحسنٍ ولا قبحٍ، فإذا تعلَّق بها الأمرُ والنَّهيُ صارت حينئذٍ حسنةً وقبيحةً، وليس حسنُها وقبحُها زائدًا على كونها مأمورًا بها ومنهيًّا عنها. فعلى هذا إذا صعِد العبدُ من تفرقة الأمر والنَّهي إلى جَمْعِ المشيئة والحُكم لم يستحسن حسنةً ولم يستقبح قبيحةً. فإذا نزل إلى (٣) فَرْقِ الأمر صحَّ له الاستحسانُ والاستقباحُ.

فهذا (٤) محملٌ ثانٍ لكلامه.

وله محملٌ ثالثٌ ــ وهو أبعدُ النّاس منه ولكن قد حُمِل عليه ــ وهو أنَّ السّالكَ ما دام محجوبًا عن شهود الحقيقة بشهود الطّاعة والمعصية، رأى


(١) "وما ثَمَّ ... لأجله" ساقط من ع.
(٢) يعني: الله سبحانه.
(٣) "إلى" من ل، ج.
(٤) ج: "وهذا".

<<  <  ج: ص:  >  >>