للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: يا لهما من (١) كلمتين ما أنفعَهما وأجمعَهما! وأدلَّهما على علوِّ همّة قائلهما ويقظته! ويكفي هذا ثناءً من الشّافعيِّ على طائفةٍ هذا قدْرُ كلماتهم.

وقد يريدون بالوقت ما هو أخصُّ من هذا كلِّه، وهو ما يصادفهم من (٢) تصريف الحقِّ لهم دونَ ما يختارونه لأنفسهم فيقولون: فلانٌ بحكم الوقت، أي مستسلمٌ لما يأتي من عند الله من غير اختيارٍ.

وهذا يحسُن في حالٍ، ويحرُم في حالٍ، وينقُص صاحبَه في حالٍ:

فيحسُن في كلِّ موضعٍ ليس لله فيه على العبد أمرٌ ولا نهيٌ، بل في موضع جريان الحكم الكونيِّ الذي لا يتعلّق به أمرٌ ولا نهيٌ، كالفقر والمرض، والغربة والجوع، والألم والحرِّ والبرد، ونحو ذلك.

ويحرم (٣) في الحال التي يجري عليه فيها الأمر والنّهي والقيام بحقوق الشّرع، فإنّ التّضييع لذلك والاستسلام والاسترسال مع القدر انسلاخٌ من الدِّين بالكلِّيّة.

وينقُص صاحبَه في حالٍ يقتضي قيامَه بالنّوافل وأنواعِ البرِّ والطّاعة.

وإذا أراد الله بالعبد خيرًا أعانَه بالوقت، وجعل وقتَه مساعدًا له. وإذا أراد به شرًّا جعلَ وقتَه عليه، فكلّما أراد التّأهُّبَ للمسير لم يساعده الوقت، والأوّل كلّما همَّتْ نفسه بالقعود أقامه الوقت وساعده.


(١) «من» ليست في النسخ.
(٢) ر: «في».
(٣) ش، د: «ومحرم».

<<  <  ج: ص:  >  >>