للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -: «الغناء ينبت النِّفاق في القلب كما ينبت الماء البقل» (١). وهذا كلام عارفٍ بأثر الغناء وثمرته، فإنَّه ما اعتاده أحدٌ إلَّا ونافق قلبُه وهو لا يشعر، ولو عرف حقيقة النِّفاق وغايته لأبصره في قلبه، فإنَّه ما اجتمع في قلبٍ (٢) قطُّ محبَّة الغناء ومحبَّة القرآن إلَّا وطردت إحداهما الأخرى. وقد شاهدنا نحن وغيرنا ثقل القرآن على أهل الغناء وسماعه، وتبَرُّمَهم به، وصياحَهم بالقارئ إذا طوَّل عليهم، وعدمَ انتفاع قلوبهم بما يقرؤه، فلا تتحرَّك ولا تَطْرَب (٣) ولا يَهيج منها بواعثُ الطلب، فإذا جاء قرآن الشيطان فلا إله إلّا الله، كيف تخشع منهم الأصوات، وتهدأ الحركات، وتسكن القلوب وتطمئن، ويقع البكاء والوَجْد، والحركةُ الظاهرة والباطنة، والسماحةُ بالأثمان والثِّياب، وطيبُ السَّهر وتمنِّي طول الليل! فإن لم يكن هذا نفاقًا فهو آخيَّة النِّفاق وأساسه.

تُلي الكتابُ فأطرقوا لا خيفةً ... لكنّه إطراق ساهٍ لاهي

وأتى الغناءُ فكالدِّباب (٤) تراقصوا ... واللهِ ما رقصوا مِنَ اجْل الله


(١) أخرجه ابن أبي الدنيا في «ذم الملاهي» (٣٠، ٣٣، ٣٤، ٣٧) والخلال في «السنة» (١٦٤٢، ١٦٤٣) والبيهقي في «السنن الكبير» (١٠/ ٢٢٣) من طرق عن ابن مسعود موقوفًا عليه. وروي مرفوعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا يصحّ. قال المؤلف في «إغاثة اللهفان» (١/ ٤٣٨ - ٤٣٩): «هو صحيح عن ابن مسعود من قوله ... وفي رفعه نظر».
(٢) ع: «قلبِ عبدٍ».
(٣) م: «يضطرب»، وأشير في هامشها إلى أن المثبت ورد في نسخة أخرى.
(٤) في جميع المطبوعات: «كالذُّباب»، خطأ. والمراد بـ «الدِّباب» جمع «الدُّبِّ» الحيوان المعروف. انظر: «زاد المعاد» (٣/ ٣٩٨) وتعليقي عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>