للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بيّنّا بطلانَ هذا المذهب من ستِّين وجهًا في كتابنا المسمّى بـ"تحفة النّازلين بجوار ربِّ العالمين" (١)، وأشبعنا الكلام في هذه المسألة هناك، وذكرنا جميعَ ما احتجَّ به أربابُ هذا المذهب (٢)، وبيَّنَّا بطلانه.

فإنَّ هذا المذهب ــ بعد تصوُّره وتصوُّر لوازمه ــ يجزم العقلُ ببطلانه، وقد دلَّ القرآن على فساده في غير موضعٍ، والفطرةُ أيضًا وصريحُ العقل. فإنَّ الله فطَر عباده على استحسانِ الصِّدق والعدل والعفّة والإحسان، ومقابلةِ النِّعم بالشُّكر، وفطَرهم على استقباح أضدادها. ونسبةُ هذا إلى فِطَرهم كنسبة الحلو والحامض إلى أذواقهم، وكنسبة رائحةِ المسك ورائحةِ النَّتْن إلى مَشامِّهم، وكنسبة الصَّوت اللّذيذ وضدِّه إلى أسماعهم. وكذلك كلُّ ما يدركونه بمشاعرهم الظّاهرة والباطنة، فيفرِّقون بين طيِّبه وخبيثه، ونافعه وضارِّه.

وقد زعم بعضُ نفاة التَّحسين والتَّقبيح أنَّ هذا متَّفَقٌ عليه، وهو راجعٌ إلى الملاءمة والمنافرة بحسب اقتضاء الطِّباع وقبولها للشّيء، وانتفاعها به،


(١) قد أحال المصنف من قبل (ص ١٤٠) لإبطال هذا المذهب من ستين وجهًا على "مفتاح دار السعادة" وسيحيل عليه مرة أخرى في منزلة التوحيد (٤/ ٥١٠)، وأحال عليه كذلك في "إغاثة اللهفان" (٢/ ٨٦١)، و"الصواعق" (٣/ ١٤٥٠)، و"شفاء العليل" (ص ١٢٨). ولكن هنا أحال على "تحفة النازلين" فلا أدري أنسي أم تكلَّم على المسألة في الكتاب المذكور أيضًا.
(٢) ما عدا ع: "هذه المذاهب".

<<  <  ج: ص:  >  >>