للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به حلاوةُ المناجاة، ويُنسى به الكونُ).

هذه الدّرجة إنّما كانت أعلى ممّا قبلها لأنه (١) همّة حالٍ، والحال ثمرة العلم، ولا يصفو حالٌ إلّا بصفاء العلم المثمر له، وعلى حسب شَوْب العلم يكون شوبُ الحال. وإذا صفا الحال شاهد العبدُ بصفائه آثارَ الحقائق، وهي الشّواهد فيه وفي غيره، وعليه وعلى غيره، ووجد حلاوةَ المناجاة. وإذا تمكَّن في هذه الدّرجة نسي الكونَ وما فيه من المكوَّنات.

وهذه الدّرجة تختصُّ بصفاء الحال كما اختصّت الأولى بصفاء العلم.

والحال هو تكيُّف القلب وانصباغُه بحكم الواردات على اختلافها، والحال يدعو صاحبه إلى المقام الذي (٢) منه جاء الوارد، كما تدعوه رائحةُ البستان الطّيِّبة إلى دخوله والمُقام فيه. فإذا كان الوارد من حضرةٍ صحيحةٍ ــ وهي حضرة الحقيقة الإلهيّة، لا الحقيقة الخياليّة الذِّهنيّة ــ شاهد السّالكُ بصفائه شواهد التّحقيق، وهي علاماته. والتّحقيق هو حكم الحقيقة، وتأثُّر القلب والرُّوح بها، والحقيقة ما تعلّق بالحقِّ المبين سبحانه. فالله هو الحقُّ، والحقيقة ما نُسِب إليه وتعلَّق به، والتّحقيق تأثُّر القلب بآثار الحقيقة. ولكلِّ حقٍّ حقيقةٌ، ولكلِّ حقيقةٍ تحقيقٌ يقوم بمشاهد الحقيقة.

قوله: (وتُذاق به حلاوةُ المناجاة)، المناجاة: مفاعلةٌ من النّجوى، وهي الخطاب في سرِّ العبد وباطنه. والشّيخ ذكر في هذه الدّرجة ثلاثة أمورٍ.

أحدها: مشاهدة شواهد التّحقيق.


(١) كذا في الأصول بالتذكير.
(٢) «الذي» ليست في د.

<<  <  ج: ص:  >  >>