والطّائفة الثّانية: ظنّت أنّ بنفس الدُّعاء والطّلب يُنال المطلوب، وأنّه موجبٌ حصوله (١)، حتّى كأنّه سببٌ مستقلٌّ. وربّما انضاف إلى ذلك شهودُها أنّ هذا السّبب منها وبها، وأنها هي التي فعلتْه وأحدثتْه. وإن علمتْ أنّ الله خالق أفعال العباد وحركاتهم وسكناتهم وإراداتهم، فربّما غاب عنها شهودُ كونِ ذلك بالله ومن الله، لا بها ولا منها، وأنّه هو الذي حرَّكَها للدُّعاء، وقذفَه في قلب العبد، وأجراه على لسانه.
فهاتان الطّائفتان غالطتانِ أقبحَ غلطٍ، وهما محجوبتان عن الله.
فالأولى: محجوبةٌ عن رؤية حكمته في الأسباب، ونصْبِها لإقامة العبوديّة، وتعلُّقِ الشّرع والقدر بها. فحجابها كثيفٌ عن معرفة حكمة الله في شرعه وأمره وقدره.
والثّانية: محجوبةٌ عن رؤية منَّته وفضله، وتفرُّدِه بالرُّبوبيّة والتّدبير، وأنّه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنّه لا حولَ للعبد ولا قوّة له ــ بل ولا للعالم أجمعِه ــ إلّا به سبحانه، وأنّه لا يتحرَّك ذرّةٌ إلّا بإذنه ومشيئته.
وقول الطّائفة الأولى: إنّ المطلوب إن قُدِّر لا بدَّ من حصوله، وإن لم يُقدَّر فلا مطمعَ في حصوله.
جوابه أن يقال: بقي قسمٌ ثالثٌ لم تذكروه، وهو أنّه قُدِّر بسببه، فإن وُجِد سببُه وُجِد، وإن لم يوجد سببُه لم يوجد.
ومن أسباب المطلوب: الدُّعاء والطّلب الذي إذا وُجِد وُجِد ما رتِّب