للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخامس والعشرون: أن لا يُؤثِرَ على المحبوب غيرَه، وأن لا يتولّى أمورَه (١) غيرُه.

السّادس والعشرون: الدُّخول تحت رِقِّ المحبوب وعبوديّته، والحرِّيّةُ من استرقاقِ ما سواه.

السّابع والعشرون: المحبّة سفرُ القلبِ في طلب المحبوب، ولَهَجُ اللِّسان بذكرِه على الدّوام.

قلت: أمّا سفر القلب في طلبه فهو الشّوقُ إلى لقائه، وأمّا لَهَجُ اللِّسان بذكره فلا ريبَ أنّ من أحبّ شيئًا أكثرَ مِن ذِكْرِه.

الثّامن والعشرون: المحبّة ما لا يَنقُص بالجفاء، ولا يزيد بالبرِّ (٢).

وهو ليحيى بن معاذٍ. بل الإرادة والطّلب والشّوق إلى المحبوب لذاته، فلا يَنقُص ذلك جفاؤه، ولا يزيده بِرُّه.

وفي هذا ما فيه، فإنّ المحبّة الذّاتيّة تزيد بالبرِّ، ولا ينقُصُها زيادتها بالبرِّ. وليس ذلك بعلّةٍ، ولكنّ مراد يحيى: أنّ القلب قد امتلأ بالمحبّة الذّاتيّة، فإذا جاءهُ البرُّ من محبوبه لم يجد في القلب مكانًا خاليًا من حبِّه تَشْغَلُه محبّةُ البرِّ، بل تلك المحبّة قد استحقّت عليه بالذّات بلا سببٍ. ومع هذا فلا يُزِيل الوهم، فإنّ المحبّة لا نهايةَ لها، وكلّما قويت المعرفة والبرُّ قويت المحبّة، ولا نهايةَ لجمال المحبوب ولا برِّه، فلا نهايةَ لمحبّته. بل لو جُمِعت محبّةُ الخلق كلِّهم وكانت على قلب رجلٍ واحدٍ منهم= لكان ذلك دونَ ما يستحقُّه الرّبُّ جلّ جلاله.


(١) ل: «أمورك».
(٢) «الرسالة القشيرية» (ص ٦٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>