للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستعار هو توحيدُ الرَّبِّ تعالى لنفسه، وتوحيدَ غيره له عاريَّةٌ محضةٌ أعاره إيّاها مالكُ الأمر كلِّه، والعواريُّ مردودةٌ إلى من تُرَدُّ إليه الأمورُ كلُّها. {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ} (١) [يونس: ٣٠]. فالواحد القهّار سبحانه أبطل تلك العاريَّة أن تكون ملكًا للمعار، كما يبيِّن المعيرُ للمستعير إذا استردَّ العينَ المعارةَ ــ وقد ظنَّ المستعيرُ أنَّ المعارَ مِلكُه ــ أنَّ الأمر ليس كذلك، وأنَّه عاريَّةٌ محضةٌ في يده. والمعيرُ أبطَلَ (٢) ظنَّ المستعير من العارية، لم يُبطل أصلَ العارية. ولهذا صرَّح بإثباتها في أوّل البيت، وإنّما ضاق به (٣) الوزنُ عن تمام المعنى وإيضاحه. وهذا المعنى حقٌّ، وهو أولى بهذا الإمام العظيم القدر ممّا يظنُّه به طائفة الاتِّحاديّة والحلوليّة. وإن كانت كلماتُه المجملةُ شبهةً لهم، فسنَّتُه المفصَّلةُ مبطلةٌ لظنِّهم.

ولكلامه محملٌ آخر أيضًا، وهو: أنّه ما وحَّد الله حقَّ توحيده الذي ينبغي له ويستحقُّه لذاته سواه، كما قال أعظمُ النّاس توحيدًا - صلى الله عليه وسلم -: «لا أحصي ثناءً عليك» (٤). ومثلُ هذا يصحُّ فيه النَّفيُ العامُّ، كما يقال: ما عرف الله إلّا الله، ولا أثنى عليه سواه. والكلمة الواحدة يقولها اثنان، يريد بها أحدُهما أعظَم الباطل، ويريد بها الآخرُ محضَ الحقِّ، والاعتبارُ بطريقة القائل وسيرته


(١) في النسخ: «ثم ردوا ... » التبست آية يونس بآية الأنعام (٦٢).
(٢) هكذا في النسخ المعتمدة، ولا غبار عليه. وكتب بعضهم قبل «أبطل» فوقه: «إذا» مع علامة ظ. وفي ر: «وإن أبطل».
(٣) في النسخ: «له» والظاهر أنه تحريف ما أثبت من المطبوع.
(٤) تقدَّم تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>