للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدّرجات في عين (١) الجمع).

إنّما كانت هذه الدّرجة عنده أعلى على طريقته في كون الفناء غاية الطّالب. وهذه الدّرجة هي غيبةٌ عن خيراتٍ ومقاماتٍ بما هو أكمل منها وأشرف عنده، وهو حضرة الجمع.

ومعنى غيبته عن عيون الأحوال: أن لا يرى الأحوالَ ولا تراه، فلذلك استعار لها عيونًا؛ لأنّ الأحوال تقتضي واجدًا وموجودًا ووجدانًا، وهذا ينافي الفناء في حضرة الجمع، فإنّ الجمع يمحو الرُّسوم. وقد عرفتَ مرارًا أنّ هذا ليس بكمالٍ، ولا هو مطلوبٌ لنفسه، وغيره أكمل منه.

وأمّا غيبته عن الشّواهد فقد يريد بها شواهدَ المعرفة وأدلّتها، فيغيب بمعروفه عن الشّواهد الدّالّة عليه في الخارج وفي نفسه.

وقد يريد بالشّواهد الأسماء والصِّفات، والغيبة عنها بشهود الذّات، ولكنّ هذا ليس بكمالٍ، ولا هو أعلى من شهود الأسماء والصِّفات، بل هذا الشُّهود هو شهود المعطِّلة المنكِرة لحقائق الأسماء والصِّفات، فإنّهم ينتهون في فنائهم إلى شهود ذاتٍ مجرّدةٍ.

ومن هاهنا دخل الملاحدة القائلون بوحدة الوجود، وجعلوا شهود نفس الوجود المجرّد عن التقيُّدات وعن سائر الأسماء والصِّفات هو شهود الحقيقة. وشيخ الإسلام بل وأهل الإسلام بُرَأَئُ من هؤلاء وشهودهم.

ومراد أهل الاستقامة بذلك أنه يشهد الذّات الجامعة لجميع معاني الأسماء الحسنى والصِّفات العُلا، فيغيِّبه شهوده لهذه الذّات المقدّسة عن


(١) في «المنازل»: «حصن». والمثبت موافق لما في «شرح التلمساني» (ص ٥٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>